تعرف أسعار العديد من متطلبات الحياة ارتفاعا محسوسا، وهو ما اضطر فئة كبيرة من الفتيات إلى العمل وكسب مصروفهن، وهو ما دفعهن للاندماج في مهن مختلفة ومتنوعة، في محاولة منهن للتكيف معها حتى في أكثر المساحات الاجتماعية فوضى، ومن أبرز هذه المهن، العمل كبائعات أو نادلات في غياب أبسط شروط العمل المريح.
الغلاء والاستقلالية المادية أبرز الدوافع
إضافة إلى الغلاء الذي تعرفه أغلب المواد الاستهلاكية، تسعي الكثيرات إلى العمل قصد تحقيق الاستقلالية المادية، وذلك بالعمل كبائعات في المحلات التجارية أو كنادلات في المطاعم ومحلات الأكل السريع، وهن إن وُفقن في إيجاد مصدر رزق مهما كان بسيطا يقبلن عليه، وهو حال بعض من يرضخن لأوامر أرباب العمل الذين باتوا لا تهمهم الخبرة المهنية للتوظيف بقدر ما يهمهم إيجاد عاملة تضمن تسويق البضائع وتكون أجرتها الشهرية زهيدة مقابل ما يجنونه -طبعا-.
قبول الأجرة الزهيدة تجل الفتيات أكثر طلبا
تعليق لافتة “يبحث عن بائعة” أو “يبحث عن نادلة” لا يعني فقط ضمان خدمة البيع بالنسبة لمتاجر بيع الملابس وغيرها أو خدمة الزبون في المطاعم وصالونات الشاي، بل يأملون في إيجاد فتاة تقبل العمل في كل ما يُطلب منها، وإن كان مسح الغبار والأرضية، طي الملابس وكيّها لساعات طويلة، مع منعهن من الجلوس ولو للراحة أثناء ساعات العمل، في وقت يمنحونهن دقائق معدودات للغداء. وأكدت بعض الفتيات في حديث مع “الموعد اليومي”، أن الضرورة هي التي دفعت بهن للقبول بمثل هذا العمل الذي شبهته بعضهن بـ”العبودية”، وقالت في هذا الخصوص الآنسة سميرة وهي عاملة منذ 3 سنوات في محل لبيع الملابس النسائية، أن وضع عمل الفتيات مؤسف جدا، وتقول أنه لا خيار لها، رغم أن الأجر الذي تتقاضاه شهريا لا يتجاوز 10 آلاف دينار أي (مليون سنتيم)، مقابل ساعات عمل مرهقة، تبدأ من الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى السادسة مساء، تتخللها نصف ساعة راحة فقط بالتداول مع الفتيات العاملات معها وتكون مخصصة للغذاء. من جهتها قالت الآنسة خولة 24 سنة، مقبلة على الزواج، بأنها قبلت العمل كنادلة في أحد مطاعم الأكل السريع بشارع حسيبة بن بوعلي، لتتمكن من تجهيز نفسها وتقتني ما تحتاجه من مستلزمات لزفافها الذي لم يتبق له إلا بضعة أشهر، رغم أن قلة أجرها الذي بالكاد يكفيها، خاصة وأنها لا تملك أي شهادة لها أو خبرة في مجالات أخرى تمكنها من البحث عن عمل أفضل وبشروط مهنية أحسن، ما يجعلها ترضخ لكل مطالب “المعلم ” -على حد قولها-، على حد تعبيرها، والتي تصل في بعض الأحيان إلى مسح الأرضية أو غسل الصحون رغم أنها استجابة للافتة “نبحث عن نادلة”.
بين تعدد الأسباب وتوحد النتائج
تتعدد الأسباب التي تدفع بالشابات إلى الخروج من دائرة الخوف الوظيفية، والإلتحاق بسوق العمل بغية توفير لقمة العيش التي تتخللها من حين إلى آخر بعض الإهانات من طرف أرباب العمل، إلا أن العامل المشترك بينهن يبقى الحاجة والضرورة ولو اختلفت مقادير الحاجة، فالعاملات في المطاعم وفي محلات الملابس الجاهزة أصبحن اليوم يشكلن ظاهرة اجتماعية لم تكن موجودة بالأمس، رغم الظروف السيئة والصعبة التي تتحملها الفتيات يوميا،تصل في بعض الأحيان إلى المعاكسات والمضايقات البعض خاصة أن أرباب العمل يفرضون عليهن البقاء مع الزبائن وإحسان معاملتهم متى دخلوا حتى ولو تزامن ذلك مع مدة انصرافهن من العمل. إضافة إلى أن العمل مع زبونات من مختلف الفئات الاجتماعية مرهق وغير سهل، وتقول كوثر: “لا أرى أي عيب في العمل كنادلة، لكن المضايقات التي أجدها من قِبل النساء تفوق بعض الأحيان ما أتلقاه من الرجال، حيث تجرحني كلمات ونظرات البعض لي وكأنني ارتكبت خطأ، أو اخترت لنفسي هذا المصير”. ورغم كل التعب الذي تتلقاه يوميا الفتاة في عملها، إلا أنها لا تحصل على استحقاق مادي يوازي استحقاق الرجل العامل في مثل تلك المهن، وغالبا ما يرفض الرجل “العبودية” والقيام بأشغال تخرج عن نطاق ما وظف من أجله منذ البداية.
ق.م