حبيبتي تحب المطر
وأنا أحبّ وجه حبيبتي
حين يسافر
في الأمطار
أحبّ هذا الكبرياء العابق منها
وجنونها الذي يحمل نزق الأحرار
أحبها صباحاً ومساءً
أحبها في غربتي
في وحدتي
في أيام الفرح
وفي زمن الحصار
أبي العجوز الطاعن
بين خبز الصبر والمشيب
الذي لوّن
حياته
كما لوّن حياة الآخرين بالأبيضِ
أجلس وحيداً على نهر غربتي
أرمي حجراً وسط الماء
يتلاشى الماضي أمامي
مع دوائر الماءِ
يهبط وجهكِ مثل النجوم فوق ذكرياتي
تلك الذاكرة المحمّلة بالماضي
محمّلةً بتاريخ النهار
محمّلةً بسعال جارتنا
وصوت الراديو عند الخامسة صباحاً
وإذاعة لندن
وإيقاع المزاريب
وصوت فيروز الذي ينادي
– راجعين يا هوى راجعين –
تلك الذاكرة التي زاوجتني مع الماضي
بزواجٍ عرفيٍّ غير مكتوبٍ
كان مدوناً بخلايا جسدي
بحروف الانكسار
ولازال وجهك يا حبيبتي
يضجّ مع حوار الصبْيَة
وصراخ العجائز
وصوت أبواب الحوانيت
يصفق كلّ صباح
هناك
لم يزل الماضي يناديني
وتحاورني الدموع والأفكار
لازلت أنا هاهنا بين الضلوع
بين الأشجار العاليةِ
في ضباب البلاد الرماديةِ
وبحيرات اسكندنافيا تحاصرني
وأنا الممزق بين المنافي
وبين الوطن وبين المنافي
وبين أوراق الكتابة
وبين حفيف الأشجار
أسير وإيّاك والزمن والذكرى
نأخذ معاً ذات القطار
أحمل ذاكرتي
ومشيب أحزاني
ووجهك المشرق في عالمي
كشمس النّهار
لماذا القصيدة؟؟
ولماذا هذا الرداء الذي نرتديه
ما نفع الأدب الذي لا يدمّر
ولا يُبقي
ولا يكسّر ولا يحطم جدران الدنيا
كالإعصار
ما فائدة الشعر !!
إذا استجدينا السماء
وما قدّمنا شيئاً
وملت منّا الكراسي في المقاهي
وأكلنا العثُ… وبعثرنا الغبار
ما تنفعنا الأقدار
ما فائدة القصيدة التي لا ترسمنا مرةً
لوحةً في زرقة السماء
ووردةً جورية
وآنيةَ زخرفٍ وفخّار
لو أنني أعلم أنّ الكلمةَ
ستغدو يوماً
مسافرةً بين أيادي الأشرار
لكسّرت الأقلام ومزقتُ الأوراق
وجعلت من حروفي
عواصف غضبٍ وإعصار
أحبكِ في مطلع القصيدة
أحبك حتى أهرب بنقائكِ
من زمني
السيئِ
حيث الرشوة
والفوضى
والتملق وغسلُ الأموال
أحبك ِ
في اللون الأزرق
أحبكِ حين ترفضين حبّي أحياناً
وتعاتيبنني أحياناً
وتمزقين أوراق القصائد أحياناً
وتنسابين في كوكبي
مثل الأقمار
أحبكِ حين ينام
رأسكِ
على كتفي
وحين تعزفين لحن الحزن هناكَ
فأين كتفي هنا؟
وأين أنا
أين أنا؟؟
في لهيب البعدِ
وفي قسوة الزمنِ
وفي زحمة الانكسار
عودي إليّ
حتى تشرق شمسي
عودي حتى تزهر الأرض
عودي حتى يأتيني النهار
أحمد وليد تركماني/ الدانمارك