حقيبة الأماني

حقيبة الأماني

ولدت وصدري أحبل بالأماني الغزار، مكانها بأوداجي أغذّيها بدم شرايين خافقي، ولما وعيت على الحياة وضعتها بحقيبة سفري راكبا سفينة العمر تحركها أشرعة الزمن أجوب محطات وأقطع فراسخ سطرها القدر، وشمس الشباب تطل عليّ دافئة، تنفث في أواسري الحرية، وتبث بداخلي الحركة والنشاط، فأفتح حقيبتي التي اكتهلت وآخذ منها بنات الأماني التي تبدو لي وأنا في هذا السن بأنها كبيرة فأشق بها عباب الدأماء وموج القاموس غير مبال بشيء أو حافل لأمر، والدم يضخ في عروقي سريعا والبسمة تداعب فاهي، حتى حسبتني طائرا غضا فرحا برفرفة جناحيه للمرة الأولى أو كفراشة تسبح في الهواء فرحة ثم تغوص في حقول الزهور مزهوة، ويمر الشباب سريعا، ينساب من بين أناملي انسياب الماء فتتلقفني أذرع الخريف بشمسه الضعيفة المطلة من وراء عهن السماء حينا وتختفي خجلة أخرى، فأصير أبحث عن الدفء فأفتح حقيبتي من جديد فأجد بعضا من الأماني لقيت حتفها وبعضها الآخر يحتضر، وقلّتها القليلة تبحث عن أرض خصبة لأغرسها كنبتة فتية، ولكن من أين أجيئ لها بما تشتهي واليم بمائه المالح لا يصلح إلى نبات اليابسة؟ فأنتظر ويحرقني الانتظار ويحرق خريفي كله كما يحرق أوراق الأشجار ولا من يهديني مرسى، فإذا بشتاء العمر يطرق الباب بيده الخشنة غير آبه ولا مهتم، أفتح حقيبتي من جديد فإذا بها صارت مقبرة، ولكنني جاهدت نفسي في البحث بين الموتى عن أمنية واحدة لألقى بها الثرى والبسمة غافية على شفتي المجعدتين.

بن عمارة مصطفى خالد/ تيارت