الرئيسية / ملفات / حنكــة الدبلوماسية قـادت إلى استقلال حتمي.. الجزائر تحيي الذكرى 61 ليوم النصر

حنكــة الدبلوماسية قـادت إلى استقلال حتمي.. الجزائر تحيي الذكرى 61 ليوم النصر

الجزائر ومع عودة تواريخ بطولات الثورة الجزائرية، مواعيد أبطال التحرير، بطولات صانعي عيد النصر المصادف ليوم 19 مارس 1962 هذه الذكرى التاريخية التي كرست الحنكة الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة التي انطلقت أساسا مع إطلاق أول رصاصة بتاريخ أول نوفمبر 1954 والتي مع إطلاقها انطلقت نضالات الشعب الجزائري ورسمت الخطوط الأولى لتدوين القضية الجزائرية كوسيلة من وسائل كفاح الثورة التحريرية.

تحيي الجزائر، الذكرى 61 للذكرى التي أكدت حنكة عمل الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة التي برزت إلى الوجود أصلا مع إعلان أول نوفمبر 1954 والذي اعتمد نصه تدويل القضية الجزائرية كوسيلة من وسائل كفاح الثورة التحريرية، وقد كانت المفاوضات التي كللت بالتوقيع على اتفاقات إيفيان واسترجاع الاستقلال الوطني من أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية التي تعد مفخرة الدولة وأجهزتها.

 

انطلاقة جديدة لدولة فتية

يعتبر وقف إطلاق النار يوم 19 مارس 1962، انطلاقة جديدة لدولة فتية عاشت  الاستعمار ما يقارب 130 سنة، وهي الفترة التي عانى فيها الشعب الجزائري أكبر معاناة عرفها تاريخ البشرية، حيث عمدت القوة الاستعمارية إلى طمس معالم الشخصية الوطنية عبر كامل مراحل تواجدها على أرض الجزائر.

إن ذكرى 19 مارس 1962 وهي تعود اليوم بعد 53 سنة، تكون هي اللبنة الأولى وحجر الزاوية في الإعلان عن جزائر حرة مستقلة، وأخرجتها إلى الوجود ثورة التحرير الوطنية بتضحيات جسام فاقت المليون ونصف المليون شهيد. وإذ نتذكر اليوم الإعلان عن وقف إطلاق النار وبعد قرابة نصف قرن، فإننا نتذكر تاريخنا وبعض رجالاتنا ممن توقدت بصيرتهم فتفتقت عن الوصول إلى عهد جنّب الشعب الجزائري كثيرا من التضحيات الأخرى، فدفع بهذا الأخير إلى تأسيس دولة قوية مهابة الجانب ومثال لكثير من الشعوب التي أرادت هي الأخرى التحرر. يعد 19 مارس 1962 أعظم المحطات التاريخية التي عرفتها الجزائر ،فهو  تاريخ توقيف القتال بالجزائر بعد التوقيع الرسمي على اتفاقيات إيفيان، أنه يوم النصر إذ حققت فيه الثورة الجزائرية ما ناضل من أجله أجيال منذ 1830 توجت بنضال وجهاد جيل نوفمبر المجيد،حيث انتزع استقلاله واسترجاع سيادته بعد تضحيات جسام بلغت مليونا ونصف مليون شهيد.

مارس.. شهر الشهداء  وميلاد فجر الحرية. يعتبر شهر مارس شهر الشهداء تحي فيه ذكرى أبطالنا الخالدين مصطفى بن بولعيد، بن مهيدي، عميروش، الحواس، لطفي، الطاهر فراج، الذين افتدوا حرية الجزائر بحياتهم الغالية واستشهدوا في ميدان الشرف في مثل هذا الشهر. وشهر مارس شهر الحرية في المغرب العربي، فيه نالت تونس والمغرب استقلالها، وفيه يشرق اليوم على الجزائر فجر الحرية والسلم والاستقلال. وكانت مصادفات الأقدار قد جعلت عددا كبيرا من أبطال ثورتنا يستشهدون في مثل هذا الشهر حتى أطلق عليه شهر الشهداء، ثم شاءت الأقدار مرة أخرى أن يحتفل المغرب العربي بأعياد حرية أقطاره الثلاثة في نفس الشهر، فإنه ليس من قبيل التلاعب بالألفاظ أن نرى في ذلك شيئا أعمق من مجرد المصادفة، إن اقتران حرية الجزائر بذكرى الشهداء وبحرية المغرب العربي كله هو رمز عميق بعيد الأثر في تاريخنا ومستقبلنا، إنه رمز خالد للرباط المقدس بين الحرية وثمنها العظيم والوحدة وأساسها الروحي والمادي المتين. إن الحرية التي كتبت بدماء الشهداء هي الحرية الحقيقية، الحرية المطلقة، الحرية التي نلناها فعلا وارتبطنا بها وارتبطت بنا قبل الإعلان الرسمي عن ميلادها فقد اكتسبنها وأعطتنا روحها يوم صرنا قادرين على تقديم أرواحنا قربانا لها وسقينها بدم الشهداء”. كما كانت معركة الجبهة السياسية لا تقل شأنا عن أختها في جبهات القتال، كان الحدث تاريخيا المكان إيفيان يوم 18 مارس 1962 وبالضبط على الساعة الخامسة وأربعين دقيقة، وبعد اجتماعات طويلة مرهقة دامت اثنا عشر يوما متتالية، وبعد قراءة مفصلة لبنود الاتفاقية التي ضمت أكثر من 86 صفحة توجهت بالتوقيع عليها: عن الجانب الجزائري السيد كريم بلقاسم نائب رئيس الحكومة المؤقتة ورئيس وفدها في المفاوضات، وعن الجانب الفرنسي لويس جوكس وزير شؤون الجزائر، فبموجبها يتم وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 زوالا. وأدلى السيد كريم بلقاسم، رئيس الوفد الجزائري في المفاوضات  قال فيه: “بمقتضى التفويض من المجلس الوطني للثورة الجزائرية وباسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وقعنا على اتفاق عام مع الممثلين المفوضين للحكومة الفرنسية. وبمقتضى هذا الاتفاق العام، أبرم اتفاق لوقف القتال، ويدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بكامل التراب الوطني يوم الإثنين 19 مارس في منتصف النهار بالتدقيق. وفي هذا الساعة التاريخية تتجه أفكارنا إلى كل الذين ضحوا منذ غرة نوفمبر 1954 بحياتهم لتحيا الجزائر حرة مستقلة أولئك الذين هم أهل لاعتراف شعبنا البطل بالجميل، كما تتجه أبصارنا إلى مجاهدينا الأمجاد وإلى كل أنصار القضية الوطنية”.

 

حكمة الثورة وجنون الدولة الفرنسية

قامت الثورة الجزائرية المسلحة في سنة 1954 في عهد الجمهورية الفرنسية الرابعة، والتي تميزت سياستها تجاه حركات التحرر بالغطرسة والمغالبة والعناد وجنون العظمة، جاهلة أو متجاهلة تدهور مكانة فرنسا الدولية وقواتها وتهميشها وتقربها من حلفائها، الذين أبعدوها في مؤتمر يالطا (4-11-45) كما كانت مدينة في تحريرها من بطش النازية للجيش لأمريكي والبريطاني بقيادة الجنرال (دوانت إزنهاور) الأمريكي حتى سميت فرنسا الدولة النصف المنتصر في الحرب، وتوالت النكسات الاستعمارية الفرنسية عسكريا وسياسيا وتعاقبت الأزمات والانقسامات الداخلية بفرنسا وتأكدت محدودية سياسة القوة العسكرية بقمع الثورة الجزائرية وظهرت أصوات تنادي بالتعقل والحكمة والتفاوض مع جبهة التحرير الوطني واختيار الحل السلمي حفاظا على المصالح الفرنسية بالجزائر والتخلي على الأساطير والأطماع الجنونية التي تجاوزها الزمن ومنطق العصر وتصاعد حركات التحرر ضد الاستعمار في كل مكان. دامت الثورة التحررية سبع سنوات ونصف استعمل الاستعمار خلالها مختلف الأساليب الجهنمية ضد الجزائريين، من تشريد وحصار وتعذيب وتقتيل للقضاء على الثورة، غير أن صمود الجزائريين وما قدموه من التضحيات الجسام أفشل جميع خطط الاستعمار وأجبرته على التفاوض والاعتراف بالاستقلال، فانتصر الشعب الجزائري.

 

مجاهدون يجمعون على حنكة الدبلوماسية

أبرز عدد من المجاهدين والباحثين في التاريخ، أهمية الدور الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية في وقف اطلاق النار، وارغام المستعمر الفرنسي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي توجت بالتوقيع على اتفاقيات إيفيان.

وخلال مشاركتهم في منتدى الذاكرة، المنظم من طرف جمعية مشعل الشهيد بالتنسيق مع يومية المجاهد، بمناسبة الذكرى الـ61 لعيد النصر، أشاد عدد من المجاهدين والباحثين ب “دور الدبلوماسية الجزائرية في وقف اطلاق النار وإرغام المستعمر الفرنسي على المفاوضات التي توجت بالتوقيع على اتفاقيات إيفيان”، بفضل “حنكة قادة الثورة التحريرية، الذين تمسكوا بوحدة التراب الجزائري والوحدة الوطنية”. وأوضح الباحث في الحركة الوطنية وتاريخ الجزائر، عامر رخيلة في مداخلته، أن “جبهة التحرير الوطني كان لها نجاح سياسي وعسكري مبهر، بفضل حنكة قادتها، مشيرا إلى أنه “خلال الفترة الممتدة من 1955 إلى 1960 ظلت الأمم المتحدة مترددة في قرارها، وجاءت الانتفاضة الشعبية يوم 11 ديسمبر من سنة 1960، لتسقط الذرائع الفرنسية وتدفع هيئة الأمم المتحدة لإصدار لائحة في 20 ديسمبر 1960، تدعو فيها فرنسا للجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل تقرير مصير الجزائريين” وهو ما حقق –مثلما قال– “انتصارا سياسيا مبهرا”. من جهته تطرق المجاهد عيسى قاسمي، إلى “الوسائل التي استعملتها جبهة التحرير الوطني لمواجهة الآلة الاستعمارية الفرنسية المدمرة، وهي سلاح السياسة، والرياضة عبر فريق جبهة التحرير الوطني، وكذا الفرق الفنية”، مؤكدا “أن السلاح الذي حاول استعماله الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين هو التفرقة بينهم، وهو ما عجز عنه بسبب اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد”، مشيرا إلى التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري، والتي انتهت بـ”الانتصار على القوة الرابعة في العالم”. ووصف الدكتور والباحث في الطاقة النووية، عمار منصوري، تاريخ 19 مارس 1962، بـ”المحطة التاريخية الهامة جدا”، مشددا على ضرورة “صون تاريخ الجزائر والحفاظ عليه”. وأشار في هذا الصدد، أن “اتفاقيات إيفيان التي أوصلتنا للاستقلال مرت بمراحل عديدة، تعطلت في بعض الفترات بسبب سياسة التلاعب التي انتهجها المستعمر الفرنسي”.

لمياء.ب

الرابط