خبراء يدقون ناقوس الخطر.. الأحياء الراقية والشعبية تتساوى في انتشار شبكة المشعوذين

خبراء يدقون ناقوس الخطر.. الأحياء الراقية والشعبية تتساوى في انتشار شبكة المشعوذين

الحديث عن الدجل والشعوذة ليس بالأمر الجديد في مجتمعنا، لكن ومع مرور الزمن ومع التطور الحاصل، نتفاجأ بزيادة إقبال الناس على المشعوذين الذين لم يتوقفوا يوما عن عملهم، بل بالعكس فقد طوروا عملهم بما يتناسب مع تطور المجتمع.

والتطرق لهذه الظاهرة في مجتمعنا بالرغم من انتشارها لا يزال من الطابوهات بين الناس، والحديث عنها يكون دائما بالإشارة من بعيد وكأن الأمر يتعلق بإتيان أمر عظيم إلا أن معرفة حقيقة الأمر تزيل عنها الغموض وتهون من شدة الإثارة التي تشوبها، وأوضح الدكتور بن بريكة أستاذ بجامعة الجزائر وخبير دولي في التصوف أن السحر هو تغيير للحقائق عن طريق التمويه، أما الشعوذة فهي من أصل غير عربي وتعني وضع الإبر على مجسمات وتماثيل مصغرة من شمع من أجل إيذاء المسحور بها في الأماكن التي توضع فيها الإبر.

 

بين سوء الحظ وعمل السحر

بعض هذه المعطيات يعرفها عموم الناس، ويخلطون بينها وبين مساوئ الصدف وبين ما يلقونه من مشاكل نفسية واجتماعية تؤدي إلى فشلهم في علاقاتهم الأسرية ومشاريعهم العملية، وهو حال السيدة “وهيبة” التي تطلقت بعد أن تغير زوجها تجاهها وعوض أن تبحث عن الأسباب، لجأت إلى المشعوذين الذين أكدوا لها أن هناك من وضع لها ولزوجها سحرا لا يزول إلا بسحر آخر وهذا ما أدخلها في دوامة المشعوذين، فلم تخرج منها إلا بعد أن خربت بيتها وتركها زوجها لأنه تعرف على أخرى عرفت كيف تجتذبه.

وعديد الحالات والقصص المماثلة تستحضرنا عند الحديث عن أضرار السحر والشعوذة والتي لم تعد تسترعي الانتباه أو حتى التشوق لسماعها، لكن الجدير بالذكر أن نسبة هامة من هذه الحالات تتوهم بسقوطها ضحية لأحد المشعوذين الأشرار بالرغم من وجود مجموعة من الأسباب الأخرى التي يمكن أن تشكل خلفية للمشاكل التي يقعون فيها، فقد أوضح الأستاذ حنطابلي يوسف المختص في علم الاجتماع بجامعة البليدة أن عجزنا عن تفسير الظواهر يدفع بطريقة لاشعورية لتبني هذه الممارسات.

 

شبكة المشعوذين تغزو عديد الأحياء

وبالملاحظة والاستقصاء، تبين أن الظاهرة منتشرة في الجزائر، خاصة بعد أن نزلنا الشارع وسألنا عن “الشوافات” قارئات الفناجين والمشعوذين، فوجدناهم متوزعين في شبكة متشعبة جدا بطريقة لم تستثن الأحياء الراقية أو القديمة وحتى القصديرية منها، كما أن رؤية هذه الفئة من السحرة والكهنة لممارساتهم مختلفة، فمنهم من يراها مهنة ومنهم من يراها موهبة ومنهم من يعتبرها كرامة.

ومن أجل تسليط الضوء على هؤلاء كان لزاما علينا أن نزور هاته الفئة لنتعرف على وجهة نظرهم فيما يعملون طبعا مع إخفاء الهوية المهنية، وفي أحيان أخرى إرسال أشخاص ينوبون عنا وكانت البداية مع عجوز تقطن حي لا قلاسيار بالعاصمة التي تدعي قدرتها على مداواة كل الأمراض وفك كل المعطلين بسبب السحر وتسهيل العمل والزواج وتسهيل الصعب من الأمور، مشيرة إلى أنها ورثت هذه الكرامة من أمها، أما المرأة الأخرى فكانت على دراية بأنها لا تقدر على شيء سوى بيع الأوهام واعترفت بأنها كانت تزور الشوافات رفقة أمها وبعد أن تزوجت اكتشفت حال زوجها المعسر ورغبة منها في الكسب الوفير صارت تدعي قدرتها على حل مشاكل النساء ونظرا لاحتكاكها بالنساء، فإنها تعرف نفسيتهن جيدا وهكذا صارت تبيعهن أوهاما.

قاعات الانتظار المتواجدة بهذه الأوكار تغص بمختلف الشرائح العمرية من المجتمع، نساء عازبات، عاطلون عن العمل وإطارات عليا يأتون الكهنة للتعرف على مستقبلهم، وكشف المستور عن مشاكلهم وعن مسببيها وعن أسهل طريقة لحلها، وهو ما أرجعه الأستاذ يوسف حنطابلي إلى القهر النفسي والاجتماعي.

وبالنظر إلى الانتشار الواسع لهذه الفئة، يسعى كل كاهن إلى جلب أكبر عدد من الزبائن بإيهامهم أنهم يستعملون الطريقة الأنجع.

 

السحر من أكبر المنكرات

وتدل نصوص الكتاب والسنة على أن السحر والكهانة من أكبر المنكرات وأن أصحابها من أعظم المفسدين في الأرض، وأن غرضهم تضليل الناس وتعلقهم بهذه الأوهام لكسب الأموال.

ومن المنجمين من يستخدم طقوسا إضافية لاستحضار الطوائف المفسدة من الجن، علهم يتحصلون على بعض المعلومات الخاصة بزبائنهم ويستخدمون في ذلك أساليب التمويه والإثارة التي تجعل زبائنهم يصدقون ما يرونه من خزعبلات تؤسس لأوهام كانت تراودهم عند التفكير في مشاكلهم.

واعتبر الدكتور بن بريكة الأستاذ في الفلسفة الإسلامية والباحث في التصوف، أن تسخير الجن لإيذاء الإنس – وهي الممارسة التي تتم في وسط نجس- وهو ما اعتبره خروجا صريحا عن الدين، حيث تستعمل معه تعويذات غامضة، بالإضافة إلى قلب لبعض آيات القرآن الكريم، كما أنه يعتبر من أخطر الممارسات وأكثرها ضررا على الإنسان.

يقال إنه لكل داء دواء إلا أن الوقاية خير من ألف علاج، ولتفادي الوقوع في مخالب هؤلاء الدجالين، يكفي فقط التحلي بالثقة بالنفس والبحث عن الأسباب الحقيقية للمشاكل النفسية والجسدية والتحلي بالمرونة الكافية أثناء التعاملات الاجتماعية، بالإضافة إلى ملازمة قراءة القرآن والأذكار.

ق. م