تعد الولادة محطة حساسة عند كل امرأة، فبالرغم من نتائجها الإيجابية باستقبال مولود يغير حياتها نحو الأفضل ويجعلها تدخل عالم الأمومة من بابه الواسع، إلا أنها تحتاج لمساندة قوية بالمحيطين بها وخاصة زوجها، يشد بيدها ويؤازرها في شدتها، وهو ما يجعل الدول المتقدمة تصر على دخول الزوج إلى قاعة الولادة مع زوجته، إلا أن هذا السلوك ببلدنا مغيّب رغم الأهمية التي يكتسيها حضوره من الجانب النفسي.
فلحظة الولادة أسعد وأصعب لحظات حياة المرأة، تشعر فيها بالألم، والضعف، والوحدة، فتريد حينها من يواسيها ويشعرها بالأمان ويعتبر الزوج خير معين لها في تلك اللحظة العصيبة، فيشاركها آلامها وفرحتها، حاولت “الموعد اليومي” تسليط الضوء على هذه الخطوة المهمة، فاستقينا العينات لنساء مغتربات كون هذا السلوك لا يُنتهج كثيرا عبر مستشفياتنا.
أزواج يرحبون وآخرون ينفرون
هناك قصة قديمة تناقلتها الأجيال مفادها أن رجلا شاهد زوجته وقت الولادة، فذهل من المشهد وحدثت قطيعة بينه وبينها، ولم يتقبل فكرة أن يعود معها لحياته الطبيعية، إلى أن تدخلت والدته بحكمتها وأزاحت من ذهنه أفكاره السوداء وأعادته إلى زوجته، هذا مثال حي على نفور الرجال من الولادة ولا يحبون رؤية زوجاتهم وهن في حالة ولادة، وحتى النساء بدورهن يرفضن الفكرة، إلا من شعرت منهن بأهمية ذلك، فـ “سماح” فتاة ترعرعت وكبرت بالجزائر واكتسبت كل تقاليدها، إلى أن عرّفتها إحدى العائلات على شاب يقطن في تولوز الفرنسية وهو شاب ينحدر من ولاية قسنطينة وبعد بضعة أشهر أصبح زوجين وتنقلت للعيش معه في فرنسا، بمرور الوقت حملت سماح بمولودها الأول “وسيم”، تقول إنها في البداية رفضت الفكرة، إلا أن الأطباء أقنعوها أثناء المعاينة التي كانت تخضع لها قبل الولادة بضرورة دخول زوجها قاعة الولادة، فقررت خوض التجربة خاصة بعد أن لمست رغبة عند زوجها، تقول إنها كانت وحيدة في الغربة بعيدة عن الأهل، لكن دخول زوجها إلى قاعة الولادة منحها القوة والصمود إلى أن رزقت بصغيرها، لتجد زوجها يشاركها فرحتها بقدومه في اللحظة الأولى لاستقباله.
“ياسمين” هي الأخرى تعودت على الولادة في كندا مكان إقامة شقيقها، تقول إنه في البداية تخوفت من هذا، لكن إقناع الأطباء لها ورغبة زوجها الجامحة جعلتها توافق على ذلك، وكان لذلك تأثيره الإيجابي في ولادتها لبنتيها أين كان زوجها يخفف من خوفها ويساندها كأنها في الجزائر محاطة بعائلتها.
غياب هذا النوع من الثقافة وراء العزوف
أكدت نائبة رئيسة الإتحاد الوطني للقابلات هادية قالوز أن غياب هذا السلوك بمستشفياتنا رغم أهميته يعود لعدة أسباب، أهمها غياب ثقافة دخول الزوج قاعة الولادة، ما يجعل الزوج لا يحبذ مثل هذا السلوك، وحتى الزوجة لا تريد أن يراها زوجها وهي في حالة الولادة، وحتى المغتربات وهن متواجدات في بلاد الغربة يرفضن هذا السلوك، إلا عدد قليل منهن بسبب ما نشأن عليه رغم أن القانون لا يمنع ذلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الدول المتقدمة تسجل عددا محدودا من الولادات في اليوم، حيث لا يؤثر دخول الأزواج مع زوجاتهم عكس مستشفياتنا التي يسجل المستشفى الواحد 40 ولادة يوميا “ولكم أن تتصوروا كيف تصبح قاعات الولادة عندما يدخل فيها كل زوج مع زوجته”.
في المقابل، أكدت ممثلة القابلات أن حضور الزوج الولادة له العديد من المزايا التي تساعد على سهولة وسرعة ونجاح عملية الولادة، حيث يبت فيها الزوج الثقة ويغمرها بكلمات الحب التي يقولها بصدق في تلك اللحظة، وهو نفس الرأي الذي تحدث عنه المختص في علم النفس آيت العربي الذي أكد أن الزوج أعلم بزوجته من أي شخص آخر، ويستطيع أن يقدم لها الدعم والمساندة النفسية، والتي لها بدون شك مفعول السحر، حيث تزداد الزوجة حبا وتعلقا بزوجها، ومن ثم شجاعة وقوة وقدرة على الولادة.
فالمرأة، حسبها، تستطيع أن تطلب من زوجها ما لا تستطيع طلبه من الطبيب أو الممرضة، كما أن حضوره يزيد من تقديره لزوجته، مما يؤهله نفسيا للمشاركة في رعايتها والعناية بمولوده، وخصوصا في فترة النفاس والرضاعة، فينشأ بينهما دفء وترابط أسري، ويصبح للطفل معنى جميلا عند أبيه وأمه، ويشعر كل منهما بقيمته ويحاولان تربيته وإسعاده بكل قوتهما.
ق. م