إن خلق الحياء شعبة وخصلة من الإيمان، فمن لا حياء له لا إيمان له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار” رواه أحمد. ولما كان كذلك أحبه الله وأحب المتصفين به من أهل الإسلام، فعن أشج عبد القيس أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن فيك خلتين يحبهما الله عز و جل قلت: ما هما؟ قال: الحلم والحياء، قلت: أقديماً كان فيّ أم حديثاً؟ قال: بل قديما، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما” رواه أحمد. فلا عجب أن كان هذا الخلق هو خلق الإسلام الأعلى حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لكل ديناً خلقاً، وخلق الإسلام الحياء” رواه ابن ماجه. فإذا رفع هذا الخلق من بين الناس فقد رفعت من بينهم أعظم نعمة عليهم ألا وهي نعمة الإيمان قال رسول الله: “إن الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر” رواه البخاري.
إن المسلم يحتاج إلى تفقد دينه وأخلاقه كما يتفقد أمور دنياه، فينظر من نفسه جوانب الإيجابيات فيستمر عليها، وجوانب السلبيات فيصلحها ويزيل أسبابها، ومن ذلك خلق الحياء فانظر إلى نفسك يا عبد الله، هل تستحي من الله ومن خلقه وما هي براهين ذلك؟ فاسعَ ما استطعت إلى تقوية حيائك؛ فإنه حياتك السعيدة في الدنيا والآخرة، قَوِّ في قلبك تعظيم الله وخشيته والخوف منه بمعرفة الله وأسمائه وصفاته ودينه الذي شرعه لعباده.
جالس أهل الحياء وتعلم منهم، واقرأ عنهم، واسلك طريقهم ومنهجهم، وربِّ أولادك وخاصة على الحشمة والحياء بالقدوة الحسنة. إن الحياء الذي حمدناه وتحدثنا عن فضله وأهميته ليس معناه التماوت والخجل، وترك قول الحق والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما هو: خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق يمتنع به صاحبه من التقصير في حق ذي الحق. فليس من الحياء أن نرى المنكر يُفعل ونسكت، ونرى المعروف يترك فلا نأمر، فهؤلاء ساداتنا أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام كانوا على أعلى قمم الحياء ومع ذلك كانوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر. قالت عائشة رضي الله عنها في حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها” متفق عليه.