دعاء يونس العجيب

دعاء يونس العجيب

كلماتٌ معدودات قالها يونس عليه الصلاة والسلام، حينما التقمه الحوتُ، فصار في ظلمات ثلاثٍ؛ ظلمة بطن الحوت، وظلمة أعماق البحار، وظلمة الليل، فما لبِث أن صار في الظلمات حتى نادى بها، وما أجملها من كلمات! توحيد وتنزيه واعتراف، أمور مُنجِّية يحبها الله: “لا إله إلا الله” كلمة التوحيد والإخلاص، لو قالها أحد مخلصًا الدين لله، نجَّاه الله ولو كان مشركًا والآيات القرآنية تشهد بذلك، والمتأمل لأدعية الكرب سيجد التوحيد مركزيًّا فيها، بأقسامه الثلاثة: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات؛ تأمل معي: عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألَا أُعلِّمكِ كلماتٍ تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب؟ الله الله ربي، لا أشرك به شيئًا” رواه أبو داود، وابن ماجه. أما قوله: “سبحانك” فهو تنزيه الله عز وجل عن كل نقص وعيب، فهي كلمة المتقين، يُكثِرون منها في يومهم وليلتهم، ويصحبونها بالتحميد أيضًا، فيُسبِّحون بحمد ربهم، فالتسبيح تنزيهٌ عن النقص، والتحميد إثبات الكمال المطلق لله، فهي دَيدنُ المؤمنين عند التعجب والتفكُّر في خلق السماوات والأرض، وكذلك عند البلاء، بل هي دعواهم في الجنة، وكأن يونسَ عليه السلام في ذلك الموقف ينزِّه ربه عن الظلم، قائلًا بلسان حاله أن: يا رب هذه المصيبة ليست ظلمًا منك لي، ولكن ما أوقعني فيها إلا تقصيري؛ لذا قال بعدها: ” إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” الأنبياء: 87، قالها اعترافًا منه بظلمه وتقصيره، وأيُّنا لا يظلم نفسه، حتى وإن كان نبيًّا.

اسمع ذلك الحوار العجيب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر رضي الله عنه؛ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: “قُل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم” متفق عليه. إن الاعتراف بالذنب يحبُّه الربُّ، فيُنجِّي مَنِ اعترف، ويغفر ذنبه ويستره في الدنيا والآخرة؛ يقول ربه ساعتها: “علِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به” فلربما أوقع الله رجلًا في كَرْبٍ ليسمع مناجاته وأنينه، واعترافه بين يديه، فتكون تلك المناجاة واللذة المصاحبة لها وآثارها الإيمانية أفضلَ عند المكروب من إجابة الدعاء. لولا أن تدارَكَ يونسَ رحمةٌ من ربه، لظلَّ في كربه وغمِّه، لكنَّ الربَّ رحيم، ألهمه ذكره في شدة الكرب، وسطَّر ذلك في كتابه؛ ليتعلمه الناس، فيقولوا مثلما قال يونس، فيُنجيهم الله كما نجاه ” وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ” الأنبياء: 87، 88. فإذا ما وقعتَ في كَربٍ أو غمٍّ، وكثيرًا ما تقع، فكرِّر تلك الكلمات، وعِشْ معانيها، تَنْجُ نجاة عجيبة، وتَفُزْ فوزًا عظيمًا بإذن الله.

 

من موقع شبكة الألوكة الإسلامي