يواجه المصابون بالأمراض النادرة في الجزائر متاعب تزيد معاناتهم اليومية، خاصة في غياب أجهزة الكشف المبكر عن المرض، وتسمى هذه الأمراض نادرة أو يتيمة لقلة عدد المصابين بها مقارنة بالأمراض الأخرى، وتمثل 2% من الأمراض المنتشرة عبر العالم، وتصيب عادة أقل من خمسة بين كل عشرة آلاف شخص.
وفي المقابل، هناك من يرى أن الأمراض النادرة ليست نادرة الحدوث، لأن عدد أنواعها على مستوى العالم يتجاوز ستة آلاف نوع، مما يعني أن هناك كثيرين مصابون بها.
يجب على المرضى الالتفاف حول الجمعيات
دعا رئيس جمعية شفاء لأمراض العضلات ومنسق الائتلاف الوطني للأمراض النادرة، عبد القادر بوراس، الأشخاص الذين يعانون من أمراض نادرة إلى الالتفاف حول الجمعيات من أجل إسماع صوتهم والتكفل بهم بطريقة أفضل.
وقال السيد بوراس “نشأ ائتلافنا عام 2015 من أجل تحسيس الأشخاص ذوي الأمراض النادرة بضرورة تنظيم أنفسهم والالتفاف حول مختلف الجمعيات من أجل إسماع صوتهم والمطالبة بالتكفل بهم”.
وأضاف ذات المتحدث قائلا: “يهدف هذا الائتلاف إلى تخفيف معاناة المرضى من خلال ابراز أهمية التشخيص الجزيئي والجيني”، مما يسمح باكتشاف هذه الأمراض والحد من مضاعفاتها.
وبعد أن ذكّر بإحصاء 8.000 مرض نادر في العالم، أشار السيد بوراس إلى “أن الجزائر تصنف فقط 25 مرضا في هذه الخانة، في حين لا يوجد أي مخبر مرجعي على المستوى الوطني يمكنه تشخيص الأمراض المذكورة مع العلم أن 5 أنواع من الأمراض النادرة يمكن كشفها بفضل تشخيص ما بعد الولادة”.
“حسب علمنا لا يوجد إلا مخبر مركزي واحد تابع للمستشفى الجامعي مصطفى باشا بالعاصمة يجري هذا الفحص وهو غير كافي”، حسب السيد بوراس الذي أكد أن أسعار هذه التحاليل باهضة لدى بعض المخابر الخاصة.
وأكد المتحدث في هذا السياق أن المخابر الخاصة التي لا تملك الكواشف تقوم بإرسال العينات إلى الخارج، حيث يتراوح سعرها بين 30.000 و 40.000 دج، في حين يتجاوز سعر بعض الفحوصات 180.000 دج.
كما اعترف السيد بوراس “بالخطوة الكبيرة” المحققة في مجال مجانية العلاج فيما يتعلق بالـ25 مرضا على الرغم من تكلفتهم المرتفعة، بحيث جعل ذلك الجزائر من الدول القليلة في المنطقة التي تضمن هذا التسهيل للمرضى.
كما طالب رئيس جمعية شفاء بـ “توسيع” قائمة الأمراض النادرة إلى أمراض أخرى من أجل تشخيصها.
مخطط وطني للأمراض النادرة
دعا السيد بوراس إلى وضع مخطط وطني للأمراض النادرة كما هو الحال بالنسبة “للسرطان”، مشددا على ضرورة مرافقة الجمعيات المدافعة عن مصالح المرضى لإجراءات السلطات العمومية.
وعلل المنسق طلبه بالعدد المعتبر للمرضى المعنيين بهذه القضية الذي تعكف جمعيته على إحصائهم.
وأوضح في هذا الصدد أنه تم إحصاء حوالي 50.000 مريض مصاب بالاعتلال العضلي، بحيث يعاني عدد كبير منهم من اعتلال عضلي دوشين، إضافة إلى أكثر من 5.000 مريض باعتلال العضلات الشوكي، وهو مرض يُعالج منذ سنتين في الخارج.
وتسمى الأمراض النادرة بالأمراض “اليتيمة” كونها تصيب شخصا واحدا من بين 2000 شخص، ولكنها تضم أنواعا عديدة ومتنوعة من الإصابات من شأنها أن تضر بالأجهزة العضلية والعصبية والهيكل العظمي.
أمهات الأطفال المصابين.. جرح الإصابة وألم العجز عن التكفل
روت السيد خديجة من ولاية بومرداس، أم لثلاثة أبناء تتراوح أعمارهم بين 30 و37 سنة، يعانون من أمراض نادرة بمرارة قصة أبنائها مع المرض الذي أدى إلى إصابتهم بإعاقات ذهنية وحركية، تسببت لهم في اضطرابات في النوم والسلوك العنيف، كما أنها أثقلت كاهل الأسرة ماديا بسبب غلاء تكلفة الأدوية.
وهو نفس ما روته السيدة حورية من العاصمة، أم لطفل في السابعة من عمره يعاني من اختلالات في الخلية ونقص في الأنزيمات، تسبب له اضطرابات على مستوى جميع أعضائه الحيوية، بالإضافة إلى تأخر ذهني وتأخر في النطق، التي عبرت عن أسفها على عدم وجود مدرسة متخصصة تسمح لابنها بمتابعة دراسته، على غرار أترابه المعاقين، مؤكدة أن المدارس المتخصصة العمومية الموجهة لهذه الشريحة، تعاني من عجز في المقاعد البيداغوجية، أما تلك التابعة للقطاع الخاص (مدرسة وحيدة على مستوى العاصمة )-على حد قولها- فإن تكلفتها باهضة جدا (15 ألف دج شهريا) ليست في متناول العائلات محدودة ومتوسطة الدخل.
زوج آخر من ولاية بومرداس، له ابن في الخامسة من عمره يعاني من ”متلازمة وليام”، يتابع علاجه بالقطاع الخاص، ورغم تحسن حالته الصحية من يوم لآخر -حسب أوليائه- فإن ندرة وانقطاعات الأدوية تبقى من بين العراقيل التي تقف في وجه العائلة.
صعوبة في التشخيص وجهاز واحد للكشف عبر الجزائر
يكشف المختص في طب الأطفال بمستشفى حسين داي بالعاصمة إبراهيم سعداوي أن كل مرض نادر يحمل خصوصيات محددة، وأن هناك أمراضا صعبة التشخيص، بينما أخرى يمكن كشفها مبكرا وعلاجها نهائيا مع الوقت، عبر نظام غذائي وطبي مناسب للمريض.
ويقول سعداوي إن الإشكال الذي يعاني منه المرضى بالجزائر يكمن في وجود جهاز واحد فقط للكشف المبكر، يسمى “فيوريمات” على مستوى المخبر البيوكيميائي لمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، مما دفع الأطباء إلى المطالبة بمخبر مرجعي للأمراض النادرة.
وانتقد المسؤول الطبي نفسه عدم وجود سجل يحصي المصابين، ولذلك يرى أن الأرقام المعلن عنها أقل من الأرقام الحقيقية. وأشار إلى أن المرضى يعانون أيضا من ارتفاع أسعار الدواء، فعلبة واحدة لعلاج مرض “الفينيسيتونوريا” الأكثر شيوعا بين الأطفال يزيد سعرها على مائة دولار، وتكفي عشرة أيام فقط.
ولفت سعداوي إلى أن بعض الأمراض النادرة تتطلب نمطا غذائيا خاصا، مشيرا إلى أن الأغذية اللازمة لذلك غير موجودة بالجزائر، مما يشكل مصدر معاناة حقيقية للمرضى وذويهم، حسب تعبيره.
وقال إن الحكومة تساعد بعض المرضى بنقلهم للخارج للعلاج، لكن الإجراءات الإدارية المعقدة والبطيئة تحول دون ذلك في العديد من الحالات.
فايزة مداد رئيسة جمعية “ساندروم وليامز وبوران”: “الكشف المبكر أهم العوامل المعيقة”
من جهتها، أكدت فايزة مداد رئيسة جمعية الأمراض النادرة (ساندروم وليامز وبوران) أن الكشف المبكر من أهم المشاكل التي يعاني منها المرضى بالجزائر، مما يدفعهم للقيام بالتحاليل خارج البلد، ودفع مبالغ مالية كبيرة جدا مقابل ذلك.
وكمثال على معاناة المرضى، أوضحت أن المصابين بداء “الهيموغلوبين الليلي الارتيابي”، الذين يقدر عددهم في الجزائر بنحو خمسين حالة، بحاجة ماسة إلى دواء “الإيكوليزناب” الذي يمنع تحطم خلايا الدم الحمراء لدى المصابين بهذا المرض، ولأن الدولة لا تتكفل بتوفير هذا الدواء، فهم مجبرون على شرائه من الخارج.
المسؤولة نفسها أكدت أيضا أن مشكلة عدم توافر الأغذية المناسبة تمثل مصدر حرج كبير للمرضى وعائلاتهم، والحليب الذي يستهلكه بعض الأطفال المرضى يتجاوز سعره 1.5 مليون سنتيم جزائري (120 يورو) للعلبة الواحدة.
العوامل الوراثية السبب الرئيسي في الإصابة بالأمراض النادرة…
في تصريح للطبيب “تركي زكريا” المختص في أمراض الكلى بالمستشفى الجامعي بني مسوس، كشف أن معظم الأمراض النادرة هي من أصل جيني (عيوب في الجينات) أي وراثي، مؤكدا أن زواج الأقارب هو العامل الرئيسي المسؤول عن هذه الأمراض، لذا يجب القيام بالاختبار الجيني قبل الزواج، أما الأمراض الأخرى فهي ناتجة عن عوامل بيئية كالتلوث، الأدوية، المنتوجات السامة والقلق الشديد، وتبقى الوقاية هي الوسيلة الوحيدة لتجنب الأمراض النادرة. وفيما يخص التشخيص الجيني (identification génétique) المبكر، فهو متوفر في الجزائر حاليا على مستوى مستشفى “مصطفى باشا” الذي يحتوي على المخبر البيوكيميائي الوحيد المتكفل بتشخيص الأمراض النادرة. وقال الدكتور “تركي زكريا” الذي استقبلنا في مصلحة المناعة، إن المصلحة تشهد حالة إصابة بمرض نادر “يتيم” كل 4 أشهر تقريبا.
ق. م