المؤرخ والدكتور محمد الأمين بلغيث يصرح للموعد اليومي في الذكرى الـ68 لإندلاع الثورة:

ذكرى 1 نوفمبر مناسبة لاسترجاع معاني التضامن والوحدة العربيين.. الدول العربية على تفاوت مواقفها ساندت المسار الثوري للجزائر

ذكرى 1 نوفمبر مناسبة لاسترجاع معاني التضامن والوحدة العربيين.. الدول العربية على تفاوت مواقفها ساندت المسار الثوري للجزائر

مما لا شك فيه أن ذكرى الثورة المجيدة التي تتجدد في أول نوفمبر من كل سنة، ليست مناسبة خاصة بالشعب الجزائري فحسب، بل هي عنوان لخيار الكفاح المسلح ضد الاحتلال في الوطن العربي، ورفض الوجود الإستعماري ومظاهره، وكذا مناسبة تطل كل عام، لإستذكار معاني التضامن والوحدة العربيين، خلال الفترة الممتدة من الفاتح من نوفمبر 1954 إلى غاية إسترجاع السيادة الوطنية في 5 جويلية 1962.

عبد الله بن مهل

قال المؤرخ والدكتور محمد الأمين بلغيث، أن الدول العربية على تفاوت مواقفها قد ساندت الجزائر وهي في طريق استكمال استقلال مؤسساتها السيادية، موضحا أن كل من مصروالعربية السعودية، إضافة إلى العراق سوريا و ليبيا، كانت السباقة في تقديم الدعم والوقوف إلى جانب الثورة منذ اندلاعها.

وأشاد الدكتور بلغيث، في تصريح لـ”الموعد اليومي”، بـ الموقف المصري الثابت إبان ثورة التحرير المجيدة، لا سيما وأن بيان أول نوفمبر الذي أذاعه شيخ الإعلاميين العرب أحمد سعيد، عبر إذاعة صوت العرب من القاهرة، واصفا إياها بقلب العروبة النابض دون منازع، وملتقى المناضلين في أرض الكنانة.

 

الثورة الجزائرية هي ثورة كل العرب

و أوضح المؤرخ الجزائري، أن الثورة الجزائرية هي ثورة كل العرب، كيف لا وهي من أحيت فيهم روح التضامن والنضال ضد الاستعمار، معتبرا أن الحديث عن الثورة الجزائرية هو بمثابة تحديد نبض الشارع العربي الذي كان يتغنى بثوار الجزائر.

وأضاف بلغيث في معرض حديثه قائلا:” لن تجد شاعرا عربيا خاصة في العراق وسوريا إلا ولسانه ينطق بكلمات ومصطلحات دالة على ما تركته الثورة الجزائرية في نفوس وقلوب العرب[ الأوراس، جميلة بوحيرد] أسماء خالدة في سماء البلدان العربية والإعلام العربي، أما الدول العربية التي وقفت في مرحلة مبكرة إلى جانب الثورة، هي مصر، العربية السعودية، العراق سوريا، ليبيا”، يبرز الدكتور قائلا.

 

بيان 1 نوفمبر صدع للعالم من أرض مصر قلب العروبة

وبخصوص ردود أفعال الدول العربية فور إندلاع الثورة، أشاد بلغيث بالدور المحوري لدولة مصر الشقيقة في تقديم يد العون لثورة نوفمبر قائلا:” إن مصر هي قلب العروبة النابض دون منازع، وملتقى المناضلين في أرض الكنانة، لهذا كان بيان أول نوفمبر الذي أذاعه شيخ الإعلاميين العرب أحمد سعيد، من خلال إذاعة صوت العرب من القاهرة، أول ما أسمع العالم والوطن العربي بثورة الجزائر وجبال الأوراس، ومنذ ذلك الحين وجهت وسائل الإعلام الفرنسية سهام الاتهام للرئيس المصري جمال عبد الناصر ودولة مصر واتهامها بالتواطؤ والتآمر مع الثوار الجزائريين، بعد أن تسامع الناس بهذه الثورة التي هزت سكون المستعمرة ، ثم توالت المعلومات بعد ذلك”.

 

الثورة تمكنت من الشارع العربي الذي ضغط على حكوماته

واعتبر المؤرخ الجزائري، أن الشخصيات التي كانت متواجدة بالقاهرة قامت آنذاك بدور محوري في تنبيه العرب إلى شر مستطير، وكان أشهر الخطباء في هذه المرحلة أحمد بن بلة، الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني، وواصل المتحدث قائلا:” إن الثورة قد تمكنت من الشارع العربي الذي كان يضغط على حكوماته الرسمية، لتأييد الثورة الجزائرية في ليبيا التي تتعبر أكثر الدول تقديما لـ المساعدة المادية مع تسهيل مهمة المهربين الذين ينقلون السلاح في سيارات من اقتناء بن بلة لصالح الثورة الجزائرية، كما قام العمال الليبيون بإضراب وامتنعوا عن شحن السلع في السفن والبواخر الفرنسية تضامنا مع ثورة الجزائر، ولكن للأمانة طلبة سوريا والاردن وتلاميذ وطلاب الأرض المحتلة وطلاب الكويت وغيرها كانت لهم وقفات واضحة في الدفاع عن القضية الجزائرية أمام همجية القوات الفرنسية المعززة بقوات وسلاح الحلف الأطلسي”.

 

السعودية لعبت دورا بارزا في دعم الثورة

في ذات الوقت، كشف المؤرخ محمد الأمين بلغيث، أن من الدول التي تبنت مبدأ الدفاع عن القضية الجزائرية في المحافل الدولية، تأتي على رأسها المملكة العربية السعودية، والتي خصصت سفيرها الفلسطيني الأصل يدافع عن القضية الجزائرية في أمريكا بشكل لافت للانتباه، مؤكدا أن له دراسة منشورة حول كل جلسات الأمم المتحدة والدور الذي قام به من أجل تسجيل القضية الجزائرية في معظم دوارات الهيئة الأممية، ثم تأتي في المرتبة المهمة مصر التي تحملت دعايات وعدوان الغرب عليها بسبب تأييد الثورة الجزائرية بالمال والسلاح، فيما تبقى بقية الدول العربية على تفاوت مواقفها قد ساندت الجزائر وهي في طريقا لاستكمال استقلال مؤسساتها السيادية، يضيف المتحدث.

وذكر بلغيث، أن الدول العربية كانت تساعد الجزائر والثورة عن طريق الجامعة العربية، ذاكرا على وجه الخصوص المملكة العربية السعودية التي ساهمت بعد رسالة الإبراهيمي إلى ملك السعودية بدفع أول مبلغ مالي و هو ثمن أول شحنة من مخازن الجيش المصري. وتابع المؤرخ والأستاذ بجامعة الجزائر 1 ، قائلا:” وتبقى للأمانة الدعم المالي والإعلامي العربي كان إيجابيا، كما سجل محمد بجاوي في أكثر من كتاب، أنها ساهمت مساهمة هامة في شراء السلاح ودفع ثمنه حتى من مهربي أوروبا عن طريق إسبانيا، وحتى من فرنسا”. وبخصوص تعرض الثورة لطعنات من طرف بعض القادة العرب، صرح بلغيث قائلا:” لا أعرف من طعن الثورة في الظهر، لكن أعرف أن ثورتنا المباركة كانت تتعرض للضغوط الإقليمية والدولية، والكل كان يسعى لاحتواء الزخم الثوري والأيام كاشفة لما وقع، ونحن الآن نقرأ الوثائق الأرشيفية تباعا”.

 

80 بالمائة من السلاح تم تهريبه عبر الحدود التونسية

يقدّر دارسو التاريخ العسكري للثورة أن 80 في المائة من السلاح تم تهريبه عبر الأراضي التونسية، وقد أُمضي بداية عام 1957 اتفاق لتسليح الثورة الجزائرية جمع الحكومة التونسية مع جبهة التحرير الوطني إثر لقاء انعقد صيف 1956 في القاهرة، وتضمّن تعهّد الحكومة التونسية بنقل الأسلحة التي تصلها عبر الحدود إلى الجزائر مع تسليمها لمن تعيّنه جبهة التحرير.

 

ليبيا انتهجت سلاح مقاطعة البضائع الفرنسية من أجل الجزائر

التزمت جمعيات التجار الليبيين بتوقيف استيراد السلع الفرنسية إلى ليبيا، وألغى التجار الليبيون في هذا السياق كل طلباتهم السابقة وأوقفوا توكيلاتهم من المؤسسات الفرنسية، وطالبوا الدول التي تتعامل تجاريا معهم بألا ترسل إليهم السلع الفرنسية، وأوجدت تلك الجمعيات التجارية “القائمة السوداء” للتجار المخترقين لقرار مقاطعة البضائع الفرنسية.

ورفضت نقابات عمال ميناء طرابلس تفريغ البواخر الفرنسية مهما كانت حمولتها، حتى ولو كانت مؤجرة وتحمل أعلام دول أخرى مثل ما وقع مع الباخرة الإيطالية “ميروبي” في جانفي 1961 والتي كانت تحمل مواد أولية لشركة النفط الليبية ولكن لأن الشحنة مستوردة من أحد الوكلاء الفرنسيين رفض العمال تفريغها، رغم إغراءات الشركة الموردة وعرضها مبالغ كبيرة للنقابة ولـ وسطاء آخرين.

 

الحكومة السورية سهلت عملية جلب الأسلحة للثورة

سهلت الحكومة السورية عملية جلب الأسلحة واقتنائها للجزائر، وقامت بفتح حدودها مع العراق وجعلتها منطقة عبور للأسلحة، وهذا بناء على الاتفاق الثنائي بينهم واللافت في الفترة الحديثة، كيف تحولت دمشق حاضرة الشام إلى موطن للزعيم المجاهد عبد القادر الجزائري، ومحورًا لتأثيرات الفكر الباديسي الذي ترددت أصداؤه في المشرق العربي عامة، كذلك استعمار فرنسا لسوريا بين عامي 1920 و 1946م، فـ المخزون التاريخي، والتقارب الروحي و المصيري اللذين تشكلا بسبب وجود تلك المؤثرات زادت الموقف السوري قوة في دعم ومناصرة كفاح الشعب الجزائري ضد المستعمِر الفرنسي في خمسينات القرن العشرين، ولا يخفى أن سوريا كانت تعيش في تلك المرحلة حالة نشوة بعد تحقيق الاستقلال عن الفرنسيين عام 1946، وتحديث جيشها وبناء علاقاتها الخارجية في مطلع الخمسينات ووقوفها في معسكر مناوئ لـ التوغلات الرأسمالية والمطامح الغربية “الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا”.

 

الثورة تستبشر خيرا من إستقلال المغرب

استبشرت جبهة التحرير الوطني الجزائرية خيرًا في استقلال المغرب الأقصى، من خلال فتح جبهة ثانية لدعم الثورة التحريرية، هذا إلى جانب كسب حليف طبيعي له حق الدفاع عن القضية الجزائرية ودعم ثورة الشعب الجزائري ماديًا ومعنويًا، وفعلًا كانت البداية الحقيقية على يد الملك محمد الخامس، بعد الدعوة من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وقادة الثورة الجزائرية في الخارج لعقد ندوة سلام بالمغرب الأقصى، وقد أبدت فرنسا الاستعمارية رغبة شديدة في حضورها، وهدفها من ذلك هو الوقوف بقوة ضد نجاح الثورة الجزائرية حتى لا تتمكن من كسب الموقف المغربي، و بتاريخ 15 سبتمبر 1956، ألقى العاهل المغربي محمد الخامس خطابًا بمدينة وجدة الحدودية، تناول فيه معاناة شعوب المغرب العربي من السياسة الاستعمارية الفرنسية، مركزًا في خطابه على معاناة الشعب الجزائري، وأكد على ضرورة إيجاد حل سلمي وعادل للقضية الجزائرية، وأن مستقبل الجزائر يدخل ضمن إطار وحدة المغرب العربي.

 

العراقيون شاركوا كفاح الشعب الجزائري على كل الأصعدة

شارك العراقيون في كفاح الشعب الجزائري على جميع المستويات الرسمية والشعبية، وقد مَرَّ الموقف العراقي تجاه الثورة الجزائرية بمرحلتين، الأولى انتهت مع الإطاحة بالنظام الملكي في 14 جويلية 1958م، والثانية في عهد الجمهورية العراقية الأولى وحكومة عبد الكريم قاسم.

وفي المرحلة الأولى لم يكن موقف العراق جيدًا بحكم نفوذ أو ضغوط الدول الغربية خاصة بريطانيا ذات التأثير الكبير، واضطرت الحكومة للاستجابة النسبية لضغوط الشعب العراقي الذي خرج يُندد بالاستعمار الفرنسي معلناً التأييد للثورة الجزائرية، وشكّل لجان المساندة المادية بما فيها جمع تبرعات مالية وطبية وغذائية، وكانت المساعدات العراقية الغذائية فعالة لأنها تأتي في الأزمات، وضمنت الحكومة العراقية 250 مليون فرنك فرنسي سنوياً لدعم حرب التحرير الجزائرية، وخصصت 250 ألف جنيه استرليني تدفع لجامعة الدول العربية لمساندة القضية الجزائرية.

وجاءت أول محاولة لإدراج القضية الجزائرية في أعمالها العادية، وهي أول دورة عادية تنعقد بعد قيام الثورة الجزائرية، وذلك على إثر طلبٍ تقدمت به أربع عشرة دولة أفرو- آسيوية في 26 جانفي 1955م، وكان الوفد العراقي برئاسة فاضل الجمالي في هذه الدورة من بين الوفود التي طالبت بإدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة.

 

أهل الكويت يقفون مع الجزائر وقفة رجل واحد

وقف أهل الكويت حكومة وشعبًا مع إخوانهم الجزائريين في كفاحهم المشروع ضد المُستعمر الفرنسي، وكان الأخير قد بذل كافة جهوده لتغيير هوية ولغة ودين وثقافة المجتمع الجزائري، إلا أن استمرار مقاومة الشعب الجزائري ووقوف إخوانه العرب والمسلمين بجانبه قلب المعادلة.في ذلك التاريخ، لم تكن الكويت – كما هي الآن – من حيث حجم الموارد الاقتصادية أو المكانة الجيوسياسية العالمية، ومع هذا وقفت مع كفاح الشعب الجزائري بكل قوتها وطاقتها حتى نال استقلاله وحريته عام 1962م.