انتشرت ظاهرة “البرسينغ” في أوساط المجتمع الجزائري بشكل ملحوظ، ولم تعد مقتصرة على فئة دون أخرى، مع الإشارة إلى تحفظ واستهجان العديد من الأشخاص لها. هذا، وقد ظل “البريسينغ” مقتصرا على فئة البنات لمدة طويلة مع قيامهن به في مناطق من الجسد يمكن إخفاؤها كمنطقة تحت السرة والتي تظهرها الفتيات غالبا على شواطئ البحر والحفلات وحتى الأعراس.
أما مؤخرا فقد تجاوز الموضوع هذه الفئة ليمس فئة الذكور سواء المراهقون أو حتى الشباب وبعض الكهول في حالات معزولة حسب شهادة من تحدثنا إليهم، كالآنسة نادية التي حكت لنا وبكل اشمئزاز وتذمر عن الكهل الذي صادفته في الطائرة أثناء رحلتها إلى فرنسا:”لقد أثار قرفي واشمئزازي مظهر ذلك الكهل الذي تعدى سنه الخمسين بكثير، وهو يضع الكثير من “الدبابيس” إن صح التعبير عبر كامل أنحاء جسده كرقبته و رأسه و في مناطق لا تصدق ولا يتقبلها العقل، وهو ما أثار قرفي واشمئزازي لدرجة أنني غيرت مكان جلوسي لأتخلص من منظره”.
منافسة قوية بين الجنسين
يشهد البرسينغ إقبالا كبيرا من طرف بعض الذكور كـ “لوك” عصري و “ستيل” جديد يخترق الموضة، كما أن أسعاره في متناول الجميع، وهو ما أكده لنا صاحب محل لبيع الإكسسوارات بشارع حسيبة بن بوعلي: “الإقبال على البرسينغ من طرف الشبان أكبر مقارنة بالفتيات اللواتي يكتفين بالبعض منه”، مشيرا إلى أن أسعاره تكون حسب النوع والشكل وكذا المادة المصنوعة منه والمقاومة للصدأ.
وعن الفئة الأكثر إقبالا، يضيف ذات المتحدث “إن الشبان الذين ينتمون إلى فئة الهيب هوب أو عشاق الموسيقى الغربية، خاصة طلاب الجامعات والثانويات”.
وكان لعبد الكريم ليشاني، إمام وأستاذ معتمد ورئيس مكتب الثقافة والإعلام بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف بولاية الجزائر، رأي في هذا الخصوص، حيث قال هذا الأخير: “إن استعمال البرسينغ أو أشياء أخرى غريبة يعتبر من التصرفات والسلوكات المنافية تماما للأخلاق الإنسانية وكذا الدينية”، مشيرا إلى أن استعمال مثل هذه الأقراط تختلف من عائلة لعائلة ومن منطقة إلى أخرى على حسب الاعتقادات التي هي في مجملها اعتقادات خرافية. وأعطى ذات المتحدث مثالا عن ذلك كالذي يضع الأقراط في الأذن للفتاة أو الابن المولود حديثا بدوافع اعتقادية على أنها تذهب العين والحسد، على حسب تصورهم بأنها إحدى الوسائل والطرق لحماية أبنائهم من الإصابة بالعين.
وعن استعمال البرسينغ يقول ليشاني “إنها من السلوكات المنافية تماما لأخلاقنا وعاداتنا وليس لها صلة أو ارتباط وثيق بالدين، كما أنها نوع من التشبه بالنساء، باعتبار أنها عادات تستعملها البنات أكثر مما يستعملها الذكور وتشويه للمنظر الخارجي للإنسان”، مضيفا “إن المراهق يمر بفترة عصيبة من حياته، لذا ندعو الآباء والأولياء أن يهتموا بأبنائهم ويوجهونهم إلى تعلم الخصال الحميدة، لكي تكون نشأتهم نشأة رجولية”.
ماذا بعد البرسينغ …؟
جولة قادتنا إلى شوارع العاصمة علمنا بعدها أن البرسينغ الأصيل يكلف مبلغ 6000 دينار جزائري، وأقله سعرا يقدر بـ1000 دينار جزائري. وتختلف أسعارها أيضا حسب نوع المادة المصنوعة منه، وهناك من يضعها بمخدر وآخر بدون ذلك. وقد أكد لنا بعض الباعة أن المراهقين ومحبي الفرق الموسيقية كالهيب هوب والروك هم أكثر من يقتنيها…
ويتخذ التقليد أشكالا ومظاهر متنوعة في طريقة اللباس وتسريحة الشعر، ثم إلى تفاصيل أخرى على غرار وضع أقراط في أماكن عديدة في الجسم كـ: الأذن، الشفاه، اللسان، الحواجب، الأنف، الصرة.. وقد يرجع البعض أسباب ذلك إلى ضعف الشخصية وعدم تلقي تنشئة سليمة من طرف الوالدين، وضعف الوازع الديني، بالإضافة إلى الجلوس لساعات طويلة قرب التلفاز وتتبع كرة القدم الأوروبية، ومغنيي الراب والهيب هوب وكذا ولوج مختلف مواقع الأنترنت دون رقابة.
وإن كان البعض يرى في الأمر خصوصية وأمرا لا يناقش مع الغير، وهو حال “منعم”، شاب عشريني يضع برسينغ على حاجبه وفي أسفل شفته، لم يشأ الخوض في الموضوع معنا واعتبر ذلك تعديا على الخصوصية. ورد بقوله: إنها حرية شخصية!! على عكس صديقه “هاني” الذي يكتفي بقرط في أذنه اليمنى، وأكد أنه مقتنع بما قام به، وأنه لا يرى أي ضير في ذلك، موضحا “أنا شاب في مقتبل العمر، يجب أن تكون لي طريقة معينة في اللباس وتسريحة الشعر، وغيرها من الأمور التي تميزني عن غيري”. بدورها “سهيلة” دافعت عن وضعها للبرسينغ على أنفها قائلة “فعلا، إنها موضة وقد أعجبتني وزادت من أناقتي وجمالي، وهي تعبر عن شخصيتي الجريئة، والمتطلعة والمحبة للحياة “. متسائلة: ثم أين المشكل في هذا، لطالما أنها تعنيني وحدي، بل بالعكس الكثير من زميلاتي في الدراسة تأثرن بي، وقمن بما قمت به. “حنان” تحدثت عن رفض والديها في البدء لوضع قرط على حاجبيها، لكنهما سرعان ما تقبلا الوضع على اعتبار أنه مسألة شخصية، لا تضر أحدا، كما أنها لا تؤثر على سلوكها وأخلاقها. وإن كان بعض الأولياء لا يبالون بوضع أبنائهم لأقراط على أجزاء من أجسامهم، هناك من يرفض الموضوع جملة وتفصيلا، وهو حال السيدة فضيلة التي أكدت أنها لن تسمح لأولادها بمثل هذه التصرفات المشينة التي ستنعكس لا محالة على شخصيتهم، متسائلة: إلى متى نبقى نقلد ما يقوم به الغرب، إلى متى نبقى نستهلك سلوكيات بداعي الموضة يمكن مع الوقت أن تؤثر سلبا على أبنائنا. أما السيدة “يمينة” فذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ عرجت على مخاطر البرسينغ على الجسم ، لأنه عن طريق ذلك الثقب، يمكن أن تتولد أضرار كبيرة، كفيروسات وأمراض لا تتبين أعراضها إلا مع مرور الوقت. من بين هذه المخاطر: إمكانية انتقال عدوى بعض الأمراض كالإيدز والتهاب الكبد..
الشرع بدوره فصل في مثل هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا ويقول الشيخ “عبد الحفيظ سنوسي” مفتي مسجد الأرقم أن مثل هذه الظواهر محرمة، فبالنسبة للرجال تعد تشبها بالنساء وهو التخنث بعينه وهو حرام. وبالنسبة للمرأة كذلك فإذا أدرجنا ذلك ضمن التجميل المبالغ فيه نقول إن التجميل لا يكون إلا للزوج وله ضوابط شرعية.
لمياء بن دعاس