باتت الهواتف الذكية والحواسب اللوحية من مفردات الحياة اليومية لأطفال المدارس والمراهقين في وقتنا الحاضر، حيث يحرص الأطفال على استخدام مثل الأجهزة الجوالة للاستمتاع بالألعاب أو تصفح مواقع الويب، إلى جانب الاستفادة من وظائف الاتصالات المعتادة.
أشارت دراسة أجرتها مجموعة باحثين في جامعة “مانهايم الألمانية” إلى أن استخدام الهواتف الذكية يزيد من التوتر لدى الأطفال والمراهقين، وأن رُبع الأطفال بين سن الثامنة والرابعة عشر الذين تم استطلاع آرائهم في الدراسة يشعرون بضغط من أجل التواصل المستمر مع أقرانهم من خلال تطبيقات الهاتف الذكي مثل “واتساب” وغيرها، كما أن نحو ثمانية في المائة من عينة الدراسة أشارت إلى أنها تستخدم هواتفها الذكية بشكل مفرط للغاية، لدرجة أنها مهددة بخطر الإدمان على تلك الهواتف، وقام الباحثون في جامعة “مانهايم” بإجراء الدراسة على 500 طفل ومراهق، وأن نصف من شملتهم اعترفوا بأن استخدام الهاتف الذكي ألهاهم عن أداء وظائفهم المدرسية، بالإضافة إلى أن نحو 20 في المائة منهم يعاني من مشاكل في التحصيل الدراسي بسبب استخدام الهاتف الذكي. أما 15 في المائة منهم فقد أشاروا إلى أنهم تجاهلوا صداقاتهم الحقيقية بسبب الهاتف الذكي، فيما قال 11 في المائة منهم إنهم تعرضوا لمضايقات أو إقصاء من مجموعات خاصة في تطبيق الرسائل القصيرة “واتساب”.
الآباء يشترون الأجهزة الذكيّة.. والأطفال يدمنونها
عائلات كثيرة وجدت نفسها في بادئ الأمر عاجزة عن ضبط استخدام أطفالها المفرط للتكنولوجيا، حيث يقول السيد “العربي” أب لطفلين إنه كان يعاني الأمرّين، علماً أنه سعى مراراً إلى وضع قواعد، وخصوصاً أن ابنه الأكبر يستخدم تطبيق “واتساب” طوال الوقت، إضافة إلى “فايسبوك”، ويضيف: “لا نمانع كعائلة مواكبة التطور وشراء أجهزة الآيباد والهواتف الذكية لأولادنا، فقد اعتقدنا أن هذه الأجهزة تساعد على تطوير القدرات الذهنية وزيادة نسبة الذكاء، لكن المشكلة برزت مع انشغال ابني الأكبر بالألعاب الإلكترونية، وسماع الأغاني، والتحدث مع أصدقائه عبر الفايسبوك، ليهمل واجباته المدرسية”، ويتابع حديثه بقوله: “بذلنا جهداً كبيراً لإقناعه بضرورة تخصيص وقت للدراسة، لكن من دون جدوى. حتى أننا لجأنا للغة التهديد بحرمانه من هاتفه وكمبيوتره، لكننا فشلنا أيضاً في تحقيق نتيجة إيجابيةـ أخيراً حددنا له وقتاً معيّناً مع أجهزته هذه، وذلك بعد انتهائه من واجباته المدرسية، وحققنا نتيجة مرضية”.
ولجأ “طارق” إلى إقفال هاتفه وحاسوبه برمز سري، لمنع ولديه من استخدامهما عند خروجه من المنزل، حتى أنه بات لا يسمح لهما باستعمالهما إلا لإنجاز واجباتهما المدرسية والتعلّم والمعرفة.
بعكس السيد “العربي”، يعاني أولاد السيد “حسان” من عدم مواكبة والدهم لمتطلبات المجتمع الحديث التكنولوجية، وخصوصاً أن وضعه المعيشي لا يسمح له بشراء التقنيات الحديثة، عدا قناعته بأن الهواتف الذكية لا تساهم إلا في إضاعة الوقت، حيث يقول السيد حسان: “علّمتني خبرتي في الحياة أن التربية المدلّلة لا تعطي ثماراً إيجابية دائماً”، مضيفاً: “أولادي ينجحون بتفوّق، وأنا راضٍ عن تربيتي لهم”، ويختم كلامه بقوله: “وعدت ابني أن أشتري له هاتفاً خلوياً في حال نجح في امتحان الشهادة المتوسطة هذا العام شرط استخدامه في فصل الصيف، أي بعد انتهاء العام الدراسي، مع إلغاء تطبيق فايسبوك في الشتاء”.
مجانين التكنولوجيا
أما الشاب “ياسين” الذي يصف نفسه بـ “مهووس التكنولوجيا”، فينام وإلى جانبه هاتفه وجهاز الآيباد، الذي يسميه بـ “طفله المدلّل”، ويطلق على نفسه اسم “الوالد المحافظ” لاحتفاظه منذ 7 سنوات وحتى اليوم، بأول كمبيوتر اشتراه بقيمة 3 ملايين سنتيم من مصروفه الخاص.
يقول أيضا الشاب يوسف: “لا أتنفّس من دون كمبيوتري وهاتفي، وأذكر أنني مرضت نفسيا عندما تعطّل، ولم تتحسن حالتي إلا عندما أعاده إليّ صديقي بعد إصلاحه”، ويجيب ساخرا عن سؤالنا عن الوقت الذي يقضيه بين أجهزته الإلكترونية: “عندما يسألني أحد أجيبه: لماذا لا تسألني عن الوقت الذي لا أمضيه مع تقنياتي الحديثة، هذا أسهل”، ويشير إلى أن “الوسائل الحديثة هذه تنقلنا إلى عالم آخر، وتقدم لنا كل ما نحتاجه من معلومات، فكيف لا أحبها؟”.
علماء النفس يصفونها بالعنف والأنانية
يقول أستاذ علم النفس “ب. ع” لـ “الموعد اليومي”: “إن إيجابيات استخدام تكنولوجيا المعلومات تكمن في تنمية القدرات الذهنية، وتسهيل عملية الاستيعاب لدى الأطفال، وتثقيفهم وتكوين شخصياتهم”. ويضيف: “تدرك الأسرة أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة، إلا أنها لا تستطيع التغاضي عن الشعور بالخوف على الأولاد منها”، لافتة إلى أن “التحدي الحقيقي يتمثّل في ضمان أن يعيش الأبناء طفولتهم بشكل آمن بعيداً عن المخاطر التي قد يواجهونها من الناحية الصحية، كالسمنة أو ضعف النظر بسبب الأشعة الكهرومغناطيسية التي يتعرضون لها طوال فترة استخدامهم للكمبيوتر أو الهاتف”.
أما عن الأضرار النفسية والاجتماعية، فيشير إلى أن “الدراسات أثبتت أن الأطفال الذين يفرطون في مشاهدة التلفاز أو اللعب على الكمبيوتر، يميلون إلى العنف والأنانية. كما أن السرعة الشديدة لاستجابة الأطفال للألعاب على هذه الأجهزة تولّد لديهم شعوراً بالوحدة والفراغ النفسي والكآبة و الإحباط”.