ما يزال منبع المياه لقرية بني بوبلان، التابعة لدائرة المنصورة الواقعة عند المخرج الجنوبي الغربي لتلمسان، يجذب المئات أو حتى الآلاف من المواطنين، الذين يتوقون إلى استهلاك المياه النقية على مدار السنة وخاصة في شهر رمضان.
وتسجل هذه المنطقة، المعروفة بهدوئها، خلال شهر الصيام، توافدا قياسيًا للمواطنين الذين يرغبون في الحصول على المياه من هذا المنبع الذي يتدفق إلى القرية منذ فترة طويلة، وهو معروف بمياهه التي لها فوائد علاجية، خاصةً للأمراض المتعلقة بالكلى.
لكن لا يمكن لسكان القرية وحتى المنطقة تحديد عمر هذا المصدر المائي الذي يتدفق بدون انقطاع منذ عدة سنوات.
منبع عمره مئات السنين
وأشار الحاج مراد، الذي يبلغ من العمر قرابة 80 عامًا، إلى أن “هذا المنبع موجود حتى قبل ولادته”.
من جهتهم، يفتخر سكان بني بوبلان بهذا المنبع المائي الذي تجاوزت سمعته إلى حد كبير حدود القرية والمنطقة.
ويصب هذا المصدر في موقعين: الجانب العلوي من بني بوبلان والجانب السفلي وهو التوسع الذي عرفته القرية خلال الثمانينيات.
وألهمت هذه القرية الأديب الشهير محمد ديب الذي ذكرها في روايته “الحريق”، واقتبس منها المسلسل التلفزيوني للراحل مصطفى بديع خلال السبعينيات من القرن الماضي.
مصدر فخر لسكان المنطقة
يتميز سكان بني بوبلان بالدفء الشديد مع الزائرين يوميًا ويعربون عن فخرهم لهذا المصدر من المياه الطبيعية التي يشيدون بنقائها، سيما أنها منعشة جدًا خلال فصل الصيف ودافئة خلال فصل الشتاء، مثل الكثير من مصادر المياه الأخرى الموجودة في تلمسان.
منبع بني بوبلان موقع سياحي من الصعب الوصول إليه
ورغم أن قرية بني بوبلان تتوفر حاليا على ضروريات الحياة مثل غاز المدينة والكهرباء والهاتف وغيرها، إلا أنها تفتقر إلى وسائل النقل العمومي، وفقا لكثير من المواطنين.
وإذا كان الجانب العلوي يتوفر على خطوط نقل بحافلات مؤسسة النقل الحضري لتلمسان، فإن الجانب السفلي يظل مفتقرا لوسائل النقل.
ويتأسف مواطنو المنطقة لهذا النقص، سيما الذين لا يملكون سيارات خاصة ويريدون الذهاب إلى المنبع المائي.
ووفقًا للمتخصصين، تشهد قرية بني بوبلان على تاريخ طويل وغني من فترات مختلفة يعود تاريخها إلى عصر ما قبل التاريخ.
ولا تزال المغارات شاهدة على تواجد الإنسان في هذه القرية منذ القدم.
ويبقى منبع المياه الطبيعية التي تتدفق حتى الآن يرمز إلى الحياة التي كانت قائمة ومازالت موجودة في قرية بني بوبلان، كما هو الحال في مناطق أخرى من ولاية تلمسان مثل أوزيدان وبوهناق أو منطقة عين بني عاد.
ويعد منبع بني بوبلان من بين عشرات المنابع الطبيعية لولاية تلمسان. وما تزال عاصمة ”الزيانيين” تتوفر على مصادر المياه مستغلة لحد الآن مثل عين الحوت وعين فزة وعين مقداد وعين مزوتة وعين قبلي وعين سيدي أحفيف وعين أغبالي وغيرها.
كل هذه المواقع من شأنها أن تشكل ثروة سياحية وثقافية حقيقية لتطوير السياحة البيئية، حسب تقدير المتخصصين في هذا القطاع.
خصوصية انفرد بها سكان تلمسان
يروي التاريخ القديم لرمضان تلمسان خصوصيات جميلة قل وجودها في غيرها من المناطق، حيث انفرد سكانها بخصوصية جميلة تروي قصص الغابرين الذين صنعوا تاريخ المنطقة، ويقول الكثيرون إن معظم هذه العادات تلاشت وزالت بزوال أيامها البسيطة ونقصت في زمن غلبت عليه مشتريات السوق وما يتوفر عليه من شتى المأكولات الجاهزة التي طالما حضرتها الجدات والأمهات في سابق عهدها، ويُذكر أن الجيل الحالي من سيدات تلمسان تولدت لديهن وتربت مشاعر قوية بالعودة إلى تفاصيل الزمن الماضي رغم عيشهن في أحضان الواقع المعاشي الحالي، فعادت التلمسانية إلى زمن السابقين من نساء تلمسان ورأت فيها ربات البيوت ذاك الرجوع الحتمي الذي يعني الأصالة والفضيلة وعدم التقصير في العادة التي تدخل البهجة والفرحة بالمناسبة وحلولها والإحساس بكينونتها، بحيث طفت بعض العادات القديمة على سطح استقبال الشهر بهذه الولاية وتم اكتشافها من لدن الكثير من العائلات اللاتي لجأن إلى طحن التوابل ودقها في المهراس لاسيما عند اللاتي تمتلكن الأحواش.
عودة قوية لتفاصيل الزمن الماضي
وتؤكد النسوة أنه وبفضل هذه التحضيرات التي تتم بطريقة تقليدية تمنح شعورا مميزا ذا عبق رائع، فتحضير المأكولات في البيت يتميز على اقتنائها جاهزة، حتى وإن تشابهت في المذاق، حيث تحمل التحضيرات البيتية رائحة من عبق الماضي الرائع بنفحات الحياة العادية وتذكّر بمهام الأمهات السابقات في شتى أعمال البيت.
وتم ملاحظة أيضا تحضير الكسكسي باليد والذي يفتل بمادة السميد الخشن للمساهمة في الاقتصاد الأسري ومن ثم خلق جو نشط بين أفراد العائلة وتفادي شراء أكياس الكسكس الصناعي، الذي اعتبرته كل من السيدة فريدة وعقيلة خسارة مالية وليس به بركة عكس ما يتم تحضيره في يوم كامل ويطهى منه أكثر من شهر حسب المقدار المستعمل.
العصائر الطبيعية.. منزلية التحضير
أما باقي المواد الاستهلاكية التي تضمن اقتصادا آخر في البيت الرمضاني، فالثلاجة تلعب الدور الفعال والإيجابي في إذخار العصائر الطازجة لفاكهة المشمش والبرتقال والليمون في فصلهم العادي لتفادي المصاريف المرتفعة الأسعار، ضف لها بعض الخضروات كالبازلاء والفاصولياء الخضراء التي تحدد مدة تجميدها ثلاثة أشهر على الأقل وتتوجه لها ربات البيوت بصفة كبيرة للتقليص من ماديات الشهر في عصر الغلاء الفاحش الذي تظهر مخالبه بشكل ملفت للنظر .
الحريرة سيدة المطبخ التلمساني
وللعلم أن حساء الحريرة لن يبرح المطبخ التلمساني منذ أمد بعيد والذي يضاف لها طاجين الحلو بالبرقوق أو الزبيب، ولا ننسى أن المرأة بهذه الولاية التي كسرت روتين البقاء في البيت وعادت من جديد إلى زيارة الأهل والأقارب والمرضى في المستشفيات والعجزة في دورهم والأطفال المسعفين بمراكزهم لنيل الأجر، وهي ظاهرة خيرية شاعت عند الزيانيين منذ السنوات الأربعة الأخيرة للالتفات إلى المصابين الذين يئنون من العوز والحاجة والفاقة ونقص الحنان العائلي، فالتسابق نحو الحسنة و الأجر وارد بدون منازع في شهر الصيام ومحاسبة النفس لأن في الأصل الواقع المعاش برمضان يعد حدثا هاما مرتبطا بالسيرة الدينية والتاريخية للأمة والتي إن تم تفسيرها وجدناها عادة وتقليدا فطريا يتساوى كله مع تطييب الخاطر، إلى جانب جمع أسري حميمي يتدرب على التكافل وفهم معنى هذا الشهر المبارك، كما نجد أن التقاليد مزودة بالعبر والدروس التي تطهر النفس من التبذير المادي الذي يتمادى فيه الآلاف من المواطنين الجزائريين.
ل. ب