بروح الشباب المغامر ينطلقون، صعوداً ونزولاً يتسابقون، بمشاهد تحبس الأنفاس واستعراضات تتعلق بها الأنظار، مراهقون وشباب لم يمنعهم الخوف من قيادة الدراجات النارية حيث أجواء الإثارة والمتعة والتشويق، لكن عندما تتحول هذه الممارسات الممتعة، إلى جنون وخطر يهدد حياة الآخرين، هنا لابد لنا من وقفة أمام تزايد حوادث الدراجات النارية التي لا يفيد معها الندم، وعن هذا الموضوع تحدثنا إلى شباب ممن استهوتهم قيادة الدراجة النارية وآخرون استغنوا عنها .
بين خطورة المتعة ومتعة المغامرة
يروي الشاب “بلال” البالغ 29 سنة، وصاحب محل لبيع قطع غيار السيارات، مدى تعلقه بقيادة الدراجة النارية التي تحولت من هواية إلى إدمان قائلاً: “قصتي بدأت مع الدراجة النارية منذ 11 سنة عندما جربتها مرة مع صديقي، وبعد ذلك اشتريت واحدة وكنت أخرج برفقة أصدقائي الأربعة ونتسابق على الطرقات السريعة خارج المدينة، وعلى الرغم من حرصي الشديد على شروط الأمن والسلامة وارتداء خوذة الرأس وملابس الحماية، إلا أنني لم أسلم من حادث مرور أليم، وأصبت إصابة قوية في الكاحل ومازلت لحد الآن أعاني من الإصابة، مع العلم أنني لست من الشباب المتهورين ولا ألجأ للحركات الاستعراضية، ومع ذلك إصابتي لن تبعدني عن قيادة الدراجة وسأعاود الاستمتاع بها بعد شفائي لأنها بالنسبة لي ليست هواية فقط بل إدمان”.
ويتوافق هوس “بلال” مع صديقه “فاتح”، الذي لم يمنعه خلع كتفه من ممارسة القيادة، ويقول: “لا يشعر بروعة هذه الهواية إلا من جربها، فمنذ أربع سنوات وأنا أمارسها وأخرج مع أصدقائي في مجموعات مؤلفة من 20 شخصاً نتسابق بالدراجات ونشعر بروح الشباب المغامر، ولا أنكر خطورة حوادثها خصوصاً في حال القيادة بسرعة، وهذا ما حدث معي وتعرضت لحادث على الطريق السريع ونتج عنه خلع في الكتف لأنني كنت مسرعاً، إضافة إلى تحطم دراجتي بشكل كامل من جراء الحادث لكنني لم أقاوم ابتعادي عنها واشتريت دراجة جديدة رغم كل شيء”.
جنون المراهقة الدافع الأكبر
“محمد علي” في 18 من العمر، تأثر بأخيه الكبير وبدأ يتعلق بقيادة الدراجة النارية تدريجياً، ويقول: “أتذكر عندما كان عمري اثنى عشرة سنة كنت أراقب أخي الكبير عند قيادته لها وبتجربتها في إحدى المرات بجانب البيت أحببتها كثيراً حتى اشتريت واحدة منذ ثلاث سنوات، وأستمتع برفقة أصدقائي نهاية كل أسبوع، ونتسابق على شكل مجموعات ولحد الآن لم أتعرض لأي حادث لأنني شديد التفكير بعواقب السرعة وأتجنب المخاطرة والتهور، لكن لا أعرف لماذا نتلقى المخالفات على الإضافات والتعديلات الخارجية كتضخيم صوت الدراجة وتبديل ضوئها، كيف لسائق سيارة أن يسمع صوت الدراجة عند مرورها بالقرب من سيارته خاصة عند قيادتها في الليل، أرى التعديلات ضرورة ملحة لابد منها لضمان الأمان والحماية أكثر”.
أما “هشام” فبدأ حديثه بقوله “لا يوجد أصعب من فراق صديق خطفه الموت وهو في عمر الزهور” هي نهاية لقصة كانت بدايتها مغامرة وآخرها الموت “منذ نحو سنة شجعني أحد أصدقائي على شراء دراجة نارية، وفعلاً شعرت بأحاسيس لا توصف، فبمجرد قيادتها أنسى الدنيا وأعيش في عالم آخر من المتعة والمرح، ولكنني تعرضت لحادث منذ 3 شهور وكسرت يدي وخلع كتفي وقررت بعد الحادث قراراً نهائياً وهو بيع الدراجة، لأنها طريق للموت وهلاك الشباب، وهذا ما حدث لصديقي عمره 19 سنة الذي توفي عندما خالف القانون وقطع الإشارة الضوئية ومات على الفور، لذلك أنصح الشباب بتوخي الحيطة والحذر واختيار المناطق المخصصة للدراجات النارية لأن الحادث يحدث بسرعة البرق”، وختم بقوله: “نظراً لخطورتها واجهت معارضة شديدة من عائلتي خاصة أمي التي كانت دائماً تقول لي: “سأغضب عليك إذا اشتريتها، ولأتجنب ما سوف يأتيني من أهلي كنت أخفيها بعيداً عن البيت إلى أن اكتشفوا الأمر”.
أولياء بين الرفض والانصياع
يوضح السيد “نصر الدين”، أب لثلاثة مراهقين طريقة تعامله مع أولاده قائلاً: “في كل مرة يشاهد أبنائي دراجة تمر من قربهم يبدؤون بسلسلة من الأسباب التي تبرر رغبتهم في شرائها، وكنت أستأجر لهم دراجات لوقت محدد، لكن هذه الطريقة لم تنفع معهم وقررت شراء دراجات لهم ومراقبتهم بشكل كبير لأنني أعي مدى خطورتها، لكني حريص على تلبية رغباتهم بطريقة تحميهم أفضل من كبت مشاعرهم الذي قد يؤدي لما هو أخطر مثل ما حدث لابن صديقي الذي خرج مع أصحابه وقاد الدراجة من دون علم أهله وتعرض لحادث أدى إلى كسر كتفه، لذلك يجب على الأهل التعامل بحيطة وحذر كبيرين”، وهو نفس حال جارته السيدة “غنية” التي تقول “رغم صغر سن ابني، فهو يبلغ 17 عاما إلا أنه لم يسلم من هوس الدراجات، فهو يسهر لوقت متأخر من الليل وأهمل دراسته بسببها، ففي البداية كان يجرب دراجة صديقه والآن اشترى واحدة، ولم يعد يسمع كلامي وصار دائم السهر، ما أرقني وجعلني دائمة التفكير والتعب، خاصة وأن زوجي دائم الغياب عن البيت بسبب العمل”.
الدكتور عياش لـ “الموعد اليومي”: الدراجات النارية إشباع للغرور وتحقيق الرضا عن الذات
يشير الدكتور النفسي، ب/عياش، إلى إيجابيات وسلبيات قيادة الدراجة ويقول: “توسعت في الآونة الأخيرة دائرة استخدام الدراجات الهوائية خصوصاً من الشباب ما بين عمر 15- 24 سنة وهي أهم مرحلة من مراحل إثبات الذات، حيث تعطي قيادة الدراجة إشباعاً ورضا عن الذات وتعويضاً عن عقد النقص بالسيطرة والضبط والتحكم، ومن هنا نجد الجانب الإيجابي منها كأي وسيلة من وسائل المواصلات تستهلك جزءاً من طاقة الشاب الذي يقودها، ومن ناحية أخرى فهي تعد وسيلة لبناء عضلات الجسم وتقويتها وتجعل راكبها يتمتع بالصحة والحيوية الدائمة، ولكن على الجانب الآخر بدلاً من إطلاق هذه الطاقة بأسلوب إيجابي، يستخدمها بأسلوب خاطئ وبطريقة متهورة وخطرة، علاوة على دور بعض الشركات المروجة للدراجات التي تغري الشباب باستخدامها خاصة مع ظهور أنواع جديدة تتمتع بالعديد من المزايا والمواصفات القياسية وهي مزودة بتقنيات متقدمة لتوفر المزيد من الأمان والسلامة لمستخدميها، والمشكلة هنا تكمن في طريقة استخدامها والهدف منها وهو ما يختلف من مراهق لآخر، ويتابع حديثه عن دور الأسرة الجوهري: هناك بعض الأسر يتصرفون بلا منطق ولا حس بالمسؤولية تجاه أبنائهم وفي مرحلة عمرية صغيرة، بل هناك أهل يوفرون المال للابن لشراء الدراجة حتى لو كانت باهظة الثمن، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة وتعاون من قبل الأسر مع إدارة المرور، فلا يمكن أن يقف أولياء الأمور مكتوفي الأيدي أمام ميول أبنائهم في مرحلة عمرية مبكرة، وبالتالي نحصد أبناء لا يدركون معنى المسؤولية والإحساس بالآخرين، وسهولة الحصول على رخصة قيادة الدراجة وراء تزايد إقبال الشباب على قيادتها، وفي النهاية نحصد ما نزرع .
ق. م