تقرت البحيرة الساحرة في المحيط الذهبي، حيث تتمازج واحات النخيل مع مياه السواقي وتحاكي التاريخ بأعراسها المقامة أمام قصورها العتيقة.. جعلت من تقرت المدينة العتيقة والمعلم التاريخي الدرة الخضراء للصحراء الجزائرية.
في رحلة ما بين القصور العتيقة والواحات الواسعة التي تحف مياه البحيرة الساحرة.. تقبع مدينة تقرت التابعة إداريا لولاية ورقلة، التي تزخر بالعديد من المعالم التاريخية التي يعود أغلبها إلى الحقبة الاستعمارية، وأشهر هذه المعالم التاريخية القصور خاصة قصور الثلاثة، قصر مستاوة، قصر تنسيبت القديمة، وقصر الزاوية العابدية وهذه القصور ورغم أنها مهددة بالاندثار بسبب العوامل الطبيعية من أمطار ورياح جعل أغلب معالمها معرضة للانهيار والسقوط، خاصة وأنها أنشئت من الطين والحجارة وأعمدة النخيل، الأمر الذي لم يساعدها على الصمود أمام عوامل الطبيعة والتقادم.
القصور العتيقة.. مسكن أهل المدينة
ورغم ما تعرضت له هذه القصور، إلا أن هناك عائلات ما زالت تسكنها رغم المخاطر المحدقة بها من الانهيارات المفاجئة لبعضها خصوصا في فصل الشتاء وتهاطل الأمطار، ورغم أن السلطات قامت ببعض أعمال التهيئة ولكن في الوجهات الأمامية، أما في داخلها فهي كما هي واكتفت بالديكور الخارجي حتى تحافظ على لون المعمار التقليدي المشكل لهذه القصور، كما أقدمت على بناء محلات للصناعات التقليدية حتى تحافظ على تراث المنطقة وعراقة تقاليدها والمحافظة على أصول سكانها.
تالـــة… الواحة الساحرة تقاوم النسيان
في صمود أزلي وإرادة صامتة تواجه تالة بمدينة تقرت النسيان وتتحدى أضرار الطبيعة وتأمل من مديرية السياحة إعادة بعث الروح فيها، من خلال الاهتمام بها ووضع ميزانية معينة لها لاستقطاب السواح الأجانب أكثر وكذا إنعاش الحركة والنشاط الاقتصادي بالمدينة، فهذه المدينة تعتبر واحدة من أهم وأبرز المناطق السياحية في مدينة تقرت، حيث تعرف حركة نشيطة على مدى المواسم السياحية، نظرا لطبيعتها الخلابة وخصوصياتها الجغرافية وكثبانها الرملية وقد عرفت في السنتين الأخيرتين إقبالا كبيرا من الزوار الذين بلغ عددهم حوالي 1850 زائر من كل ولايات الوطن، خاصة وأن مساحتها تزيد عن 3000 متر مربع، حيث أن المتمعن لحضارة وتاريخ “تالة” يقف على مدى صمود هذه المنطقة الأثرية رغم العوامل الطبيعية، هاجر سكان منطقة “تالة” إلى قرية غمرة في أواخر سنة 1963 بسبب أمطار فجائية حلت بالمنطقة وكذا الجفاف وزحف الرمال الذي حل بها. تشتهر “تالة “بكثبان رملية مترامية الأطراف ومغاراتها وقصباتها القديمة، مشكلة بذلك فسيفساء لوحة فنية تشكيلية مفتوحة على الطبيعة الصحراوية الشاسعة، كثبان الرمال والصحاري القاحلة جعلت من المنطقة مقصدا سياحيا مميزا يفتتن بها الزائر أو السائح الذي يجد بين مكونات هذه الطبيعة، السكينة والهدوء، توفر واحات النخيل بمنطقة “تالة” جوا تقليديا يجعل الإنسان يتعايش مع أصالة وعراقتها، وهذه المرافق التقليدية منتشرة بشكل واسع فيها لأنها تستقطب عددا كبيرا من السواح، كل هذه القدرات الطبيعية الهائلة إلى حد الآن تعتبر عذراء ومادة خام يجب استغلالها بشكل عقلاني في إطار التنمية المستدامة من جهة، وهي دعوة للمستثمر للاستفادة من هذه القدرات الواعدة، وهي دعوة أيضا لكل زائر إلى الاستمتاع بمناظرها الخلابة. هذا، وتتميز منطقة “تالة” بمشهد غروب الشمس، ما يميزها عن أغلب المناطق السياحية ويجعلها تنفرد بها، وعلى هذا الأساس طالب سكانها الجهات المعنية بالتفاتة جادة من المسؤولين وعلى رأسهم مديرية السياحة، لإعادة بعث الروح فيها بترميمها وتخصيص ميزانية لها وعدم الاستهانة بهاته الإمكانيات والثروات التي تملكها مدينة تقرت، وضرورة تحويلها إلى قطب سياحي يستقطب أكبر عدد ممكن من السواح سواء من الداخل أو الخارج.
التنوع الثقافي.. يصنع فرجة السواح
يمتاز الفلكلور بتقرت بتنوع ثقافي متميز جعل منها منطقة جلب للسواح من الداخل والخارج، خاصة عند تنظيم السهرات الصحراوية ومن أهم نشاطات الفلكلور نجد:
المدائح الدينية: تتكون فرق المدائح الدينية من 12 إلى 15 فردا، تصحبهم آلات الدربوكة، النقارات والدف، تقوم بأداء أناشيد دينية واختتام ذكرى المولد النبوي بقصيدتي الشيخ البصيري والبردة والهزيمة في كل المناسبات الدينية والوطنية والأفراح كالأعراس والختان وقدوم الحجيج.
– سيدي عمار: هذه الفرقة مشهورة في هذه البلدة وتتألف من 10 إلى 12 فردا، عازفين على قصبة الناي وضاربين على الدف، أما البقية من الأعضاء فيقومون بالغناء والرقص، وفي هذه الرقصة تظهر بعض الأعمال السحرية والبهلوانية.
الحضرة: أما الحضرة فهي شبيهة بالفرقة العمارية مع اختلاف بسيط يتمثل في أن الحضرة تقتصر على استعمال الدفوف، إضافة إلى الأهازيج التي يطلقونها مع العلم أن الحضرة تؤدى وقوفا خلافا إلى سيدي عمار الذي يؤدى جلوسا وأهل الحضرة هم كذلك يقومون بأفعال بهلوانية سحرية.
فرقة المزود: تتكون من ثلاثة إلى خمسة أشخاص وهي تقوم بالعزف على المزول مصحوبة بالضرب على الطبل وأداء الغناء بصورة جماعية مع الرقص.
الزرنة (المزمار): تتألف هذه الفرقة من ثلاثة إلى خمسة أشخاص، عازف على المزمار، وضاربان على الدف أو الطبل الربوخي.
عرس النساء: تتألف هذه الفرقة النسائية من ثلاثة إلى خمسة أفراد يقمن بالغناء والضرب على الدف، وتتزعم الفرقة فنانة معروفة في الأوساط النسائية، أما باقي المتفرجات فيقمن بالرقص بالتناوب مع رش العطور والروائح وتقديم الهدايا إلى المغنيات وكذا للعروسة وأهلها وهذا يتم داخل دار خاصة بهن.
هذا باختصار بعض العادات والتقاليد التي تمتاز بها منطقة تقرت، منها ما هو باقي إلى اليوم وهناك ما هو متجه نحو الاندثار وهذا شيء واقعي تقتضيه طبيعة الحياة البشرية وميكانيزمات التغيير الاجتماعي والثقافي.
توسيع الجامع الكبير… أهم مشروع بالمنطقة
سيعرف الجامع الكبير بتقرت أشغال ترميم واسعة في إطار جهود المحافظة وحماية هذا المعلم الديني العريق، ويرتقب أن يتم تحديد مكتب دراسات متخصص في هذا النوع من مجالات الترميم لمتابعة والإشراف على هذا المشروع المسجل ضمن البرنامج القطاعي الذي يستهدف التدخل الاستعجالي بهذا المعلم الديني الهام الذي تشتهر به منطقة تقرت بغرض حمايته من الاندثار، باعتبار أنه يعد واحدا من المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية الذي تزخر به هذه المنطقة من الجنوب الشرقي للوطن، كما أوضح مسؤولو مصلحة التراث بمديرية الثقافة.
وتضاف أشغال الترميم المرتقبة إلى سلسلة من العمليات المشابهة التي سبق وأن قامت بها مصالح بلدية تقرت من أجل إعادة الاعتبار وتأهيل هذا المعلم الأثري المهدد بعوامل التدهور الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن 19، حسب ذات المصدر. ويضم الجامع الكبير أو ”الجامع العتيق” الذي يقع بقصر ”مستاوة” القديم بقلب مدينة تقرت، ساحة واسعة محاطة بعدد من الأقواس وقبة كبيرة خضراء ومنارة مربعة الشكل، بالإضافة إلى فناءين صغيرين ونافورة. كما يتوفر هذا المعلم الديني على قاعة كبيرة للصلاة تعلوها قبة، إلى جانب محراب مزين بالنقوش والمنمنمات على الجبس وعشرات الأعمدة والأقواس. ويعد الجامع الكبير أو مسجد بني جلاب الواقع بقصر “مستاوة” العتيق من أعرق المساجد بالمنطقة، حيث بادر بتشييده الشيخ إبراهيم بن محمد بن جلاب سنة 1220 هجرية الموافق 1805 ميلادية كما تبرزه كتابة على لوحة رخامية بمدخل قاعة الصلاة للجامع.
ويعتبر الشيخ إبراهيم الجلابي أحد سلاطين مملكة بني جلاب (سلالة بني مرين 36) التي استقرت بتقرت وامتدت لتشمل مناطق أولاد جلال شمالا (بسكرة) وشط الجريد (تونس) مرورا بوادي سوف (الوادي) شرقا وورقلة وانقوسة ناحية الجنوب الغربي لما يقارب الأربعة قرون خلال الفترة الممتدة ما بين 1414 إلى 1854، حسب ما أكدته عدة دراسات تاريخية. ويروي شيوخ المنطقة أن الجامع العتيق لم يكن مسجدا لأداء الصلوات فحسب، بل كان مدرسة لتعليم القرآن الكريم وأصول الفقه، حيث شهد تعاقب كبار شيوخ المنطقة لاسيما الشيخ محمد بن عبد الكري”، محمد بن إبراهيم الفاسي والشيخ الطاهر العبيدي والحاج عظامو. وكان الجامع أيضا محط رحال الكثير من العلماء المعروفين كالعلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، بالإضافة إلى الشيخ الإبراهيمي والشيخ عبد الرحمن الجيلالي والشيخ أحمد حماني كما أشير له.