أنوار من جامع الجزائر

رمضان شهر التمكين – الجزء الأول –

رمضان شهر التمكين – الجزء الأول –

يَعُودُ عَلَيْنَا شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَك، لِيُذَكِّرَنَا بِأَيَّامِ اللَّهِ الَّتِي امْتَنَّ فِيهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، لِيَبْعَثَ فِينَا هِمَّةً نَقْتَبِسُ مِنْهَا أَنْوَارًا نَسِيرُ عَلَى هَدْيِهَا، ويَعْتَزُّ فِيهَا كُلُّ مُسْلِمٍ بِانْتِمَائِهِ لِهَذِه الْأُمَّةِ الَّتِي شَرَّفَهَا اللَّهُ وَأَعْلَى قَدْرَهَا. أَلَا وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْمُبَارَكَة الَّتِي كَانَت طَيًّا لِمَرْحَلَةِ خَوْفٍ وذُلٍّ، وَبِدَايَةً لِمَرْحَلَةِ عِزٍّ وَتَمْكِين، وَنَصْرٍ مُبينٍ، قَالَ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ: “وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اُ۬للَّهُ بِبَدْرٖ وَأَنتُمُۥٓ أَذِلَّةٞۖ فَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَۖ ١٢٣” سُورَة آل عِمْرَان:123، غَزْوَةٌ مَا أَرَادَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ خَرَجُوا لَهَا حَرْباً ولا قِتَالًا، بَلْ أَرَادُوا الِاسْتِيلَاءَ عَلَى قَافِلَةٍ لِقُرَيْشٍ كَانَتْ قَادِمَةً مِنَ الشَّامِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ لَهُم أَنْ يُسَطِّرُوا بِدَايَةَ مجدٍ تَليدٍ لا يَنْضُبُ مَعِينُه إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: “وَإِذْ يَعِدُكُمُ اُ۬للَّهُ إِحْدَي اَ۬لطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ اِ۬لشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْۖ وَيُرِيدُ اُ۬للَّهُ أَنْ يُّحِقَّ اَ۬لْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ اَ۬لْكٰ۪فِرِينَ” سُورَة الْأَنْفَال:7. لَقَدْ سَمَّى اللَّهُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَنَصَرَ أَهْلَ الْحَقِّ فِيه، رَغْمَ قِلَّةِ عَدَدِهِم وعَتَادِهِم، لِيَكُونَ دَرْسًا لِكُلِّ أَجْيَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُمْ كُلَّمَا مَرُّوا بِمِحْنَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهَا، أنْ يَسْتَلْهِمُواْ مِنْهَا وَمِمَّا فَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى، مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِين: لَم تَنْتَهِ عَطَاءَاتُ اللَّهِ عَزّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ بِطَيِّ صَفْحَةِ بَدْرٍ، فَهَا هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحَاتِ فِي التَّارِيخِ أَعْنِي بِهِ فَتْحَ مَكَّةَ، والذِي كَانَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ السَنَّةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ، إنَّهُ مَوْعِدٌ مَعَ الْعِزِّ الذِي تَجَلَّى فِي دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَطِّماً الْأَصْنَامَ مِنْ حَوْلِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يُرَدِّدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: “وَقُلْ جَآءَ اَ۬لْحَقُّ وَزَهَقَ اَ۬لْبَٰطِلُۖ إِنَّ اَ۬لْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقاٗۖ” سُورَة الْإِسْرَاء:81. إِنَّنَا أُمَّةٌ مَكَّنَ اللَّهُ لَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ شَهْرِ رَمَضَان، وَأَيَّدَنَا فِيهِ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَنَا فِيهِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لِنَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَشُكْرُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ يَقْتَضِي مِنَّا طَاعَةَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَمَ الِاسْتِكَانَةِ أَوِ الْخُضُوعِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالْعَمَلَ عَلَى إِظْهَارِ صُورَةِ الإِسْلَامِ الْجَمِيلَةِ الْمُشْرِقَةِ، وَالْيَقِينَ بِأَنَّ دِينَ اللَّهِ غَالِبٌ، وَأَمْرَهُ نَافِذٌ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا رَادَّ لِقَدَرِهِ، “يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔواْ نُورَ اَ۬للَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمّٞ نُّورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ اَ۬لْكَٰفِرُونَۖ” سُورَة الصَّفّ:8.

 

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر