معروف عن أهل الجنوب الجزائري الكبير، تمسك أهله بالعادات والتقاليد الوطنية خلال الشهر الفضيل، هذه العادات التي توارثوها عن أسلافهم ويسعون بدورهم إلى إيصالها لأبنائهم، ما جعل رمضان في جنوبنا الكبير يتميز بنكهة مميزة وخاصة لن تجدها في مكان آخر.
يُعطي شهر رمضان الفضيل في ولايات الجنوب الكبير فرصة لسكانه لترسيخ وديمومة تقاليد الأجداد في التضامن والكرم.
من تقاليد العائلات بالجنوب الكبير
تحافظ عائلات مناطق الجنوب الكبير على العادات القديمة والأعراف من بينها إحياء ليلة منتصف شهر رمضان المعروفة باسم “الفضيلة” التي من خلالها تحرص العائلات المتشبثة بعاداتها من جيل إلى جيل على أن تكون على غرار ليلة القدر المباركة مختلفة عن الأيام الأخرى من الشهر الفضيل.
ومن مظاهر الاحتفال، نجد الاحتفال باليوم الخامس عشر من الشهر المبارك عن طريق إحياء عادة “الوزيعة”، حيث يتم نحر ذبيحة وتقاسم لحومها بالتساوي بين عديد العائلات ممن شاركت في شراء هذه الذبيحة من أجل إحياء ليلة منتصف رمضان، وكذا من أجل إبراز واحدة من عادات التضامن فيما بينهم ونحو العائلات المحتاجة الأخرى التي تتسلم حصة كبيرة من اللحوم.
وبالرغم من أن هذه العادة أصبحت نادرة ببعض المناطق الحضرية نتيجة تحسن الدخل المالي للأسر، إلا أنها تبقى إلى اليوم متجذرة في أوساط سكان القصور والمناطق الريفية، وذلك لعديد العوامل الاجتماعية والثقافية.
تبادل الأطباق لتعزيز العلاقات
ما تزال العائلات في الجنوب الكبير تحافظ على طقوسها الرمضانية، حيث تواصل تقاسم ومشاركة الأطباق والأكلات فيما بينها كوسيلة لتعزيز روابط الجوار خلال هذا الشهر المبارك، الذي يتميز كذلك بعديد عمليات التضامن من طرف الجمعيات والأفراد الذين لا يتوانون عن تقديم وجبات ساخنة للمحتاجين والمسافرين العابرين للمنطقة، وذلك عن طريق شبكة تضم حوالي 20 مطعم عابر السبيل.
ويتم يوميا تقديم الكثير من الوجبات خلال وقت الإفطار عن طريق هذه المطاعم، الممول عدد كبير منها من طرف محسنين كرمز للتضامن مع الفئات المحتاجة وذلك وفقا لتعاليم الإسلام، كما يؤكد شباب مكلفون بمتابعة الخدمات على مستوى هذه الفضاءات التضامنية الموزعة عبر الجهات الرئيسية لمدن وولايات الجنوب الكبير.
وعلى غرار مختلف مناطق الوطن، تشهد المساجد والزوايا بجنوبنا الكبير إقبالا قياسيا للمصلين خلال هذا الشهر الفضيل، حيث وإلى جانب أداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح يوميا، يتابع المصلون سلسلة من المحاضرات حول عديد المحاور ذات الصلة بتعميق المعارف حول الإسلام السني لاسيما المذهب المالكي، وذلك بمبادرة من المديرية المحلية للشؤون الدينية والأوقاف.
ولم يؤثر التطور الحضري والتمدن اللذين عرفتهما مناطق الجنوب على عادات وتقاليد الصحراء في مجال الطبخ خلال شهر رمضان المبارك، الذي يعد أيضا فرصة لإحياء عديد الأطباق والأكلات التقليدية على غرار الحريرة (حساء القمح أو الشعير المسحوق) وطاجين الملوخية وكذا أكلات ذات مذاق سكري باللحوم الحمراء أو البيضاء، بالإضافة إلى أنواع متعددة من الحلويات المقدمة مع الشاي والنعناع.
كما أن شهر رمضان هو الشهر الذي تنتعش فيه كذلك أسواق الفواكه والخضر بالمدينة طوال النهار، ويميزه أيضا الإقبال الكبير على المقاهي بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح لاحتساء وتناول مختلف المشروبات ومتابعة الأخبار والتطرق إلى انشغالاتهم اليومية قبل الذهاب بعدها لتناول السفة (كسكس رفيع مزين) مع الشاي أو القهوة أو الحليب مثلما جرت عليه العادة بالمنطقة.
ودائما بعد أداء صلاة التراويح، تتوجه العائلات الصحراوية خلال سهرات الأسبوع الأخير من شهر رمضان المعظم إلى مختلف أسواق الملابس من أجل اقتناء ملابس جديدة لأطفالها، حيث تسوق بتخفيضات مغرية عبر المراكز التجارية المتخصصة.
الزيارات العائلية.. موروث عائلي لتعزيز العلاقات
تعزز الزيارات بين العائلات الصحراوية والتي ارتبطت بليالي رمضان، الألفة والمحبة والترابط العائلي في تقليد عائلي موروث عادة ما يكون في منزل كبير العائلة، حينما يجتمع حوله الأبناء والأحفاد يتجاذبون أطراف الحديث وللتهنئة بقدوم الشهر المبارك، حيث تخلق هذه الزيارات أجواء مثالية مفعمة بالمحبة.
كما تحرص العائلات في الجنوب الكبير خلال الشهر الفضيل على صلة الرحم وإحياء هذه العادة الاجتماعية وتوريثها للأبناء، ويتجلى ذلك في إقامة موائد إفطار للأقارب والسمر بعد صلاة التراويح في سهرات رمضانية عائلية تزينها صينيات الشاي والحلويات التقليدية، والتي يتم خلالها تبادل أطراف الحديث في عدة مواضيع تهم الأسرة والمجتمع عموما، وأيضا استرجاع ذكريات الآباء والأجداد.
اصطحاب الأطفال لتكريس أخلاق صلة الأرحام
تصطحب ربات البيوت خلال هذه اللقاءات العائلية الرمضانية أطفالهن بغرض تكريس لديهم أخلاق صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب، وتحسيسهم بأهمية دور الروابط العائلية في تقوية التماسك الاجتماعي وتعلم الكثير من القيم المتعلقة بآداب الحديث وأدب الحوار وغيرها من الأخلاق العامة.
وجرت العادة أن توزع تلك الأطباق وتتبادلها العائلات، كما تتكرر طيلة هذا الشهر الزيارات الليلية بين الأقارب والجيران.
وفي هذا الصدد، تحرص السيدات في الجنوب الجزائري عند حلول شهر الصيام على زيارة أقاربها ودعوتهم إلى الإفطار معها رفقة أفراد عائلتها، حيث تستعد لاستقبال ضيوفها من خلال تزيين المنزل وتعطيره بأجود العطور والبخور وإشراك بناتها الصغار في أشغال التنظيف لغرس لديهن هذه العادة الاجتماعية الحسنة.
وبعد اقتناء كافة مستلزمات مائدة وجبة الإفطار، تحرص السيدات على تحضير أطباق رمضانية متنوعة وإعداد صينية الشاي التي ترصعها حلويات تقليدية للاستمتاع بسهرة رمضانية في أجواء عائلية متميزة .
“لمة” العائلة على الإفطار تعزز صلة الرحم
يشهد شهر رمضان في الجنوب الكبير جلسات عائلية حميمة، فرمضان هو موسم البركات والخيرات، ومن أهم مظاهر الاحتفال بالشهر الفضيل “اللمة” الحلوة التي تجمع شمل الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء وتعيد تواصلهم في جو تسوده روح التسامح والمودة.
وتمتاز “لمة” العائلة في رمضان بأنها تجمع بين كل الأجيال من الأجداد إلى الأحفاد، حيث يتم خلالها تبادل الأحاديث وإحياء الذكريات، مما يدعم العلاقات الأسرية وصلة الرحم، وعادة ما تكون فرصة لنقل الموروثات وإحياء العادات والتقاليد .
ومعروف عن سكان هذه المنطقة الجنوبية حرصهم على صلة الرحم خلال هذا الشهر المعظم، حيث تكثر الزيارات بين الأهل والأقارب تكريسا لهذه الفضيلة التي يحث عليها الدين الإسلامي الحنيف.
تُشكل صلة الرحم ركنا ثابتا في الروابط الاجتماعية لسكان الصحراء الجزائرية، حيث تتجلى صورها في تبادل الزيارات في مواعيد الإفطار بين أبناء العروش والقبائل، مما يساهم في تقوية الروابط الأسرية وكذا الحرص على غرسها لدى الأجيال الصاعدة.
ومن بين العادات الأخرى التي تعزز الروابط الاجتماعية وما زال يحافظ عليها سكان الجنوب خلال الشهر الفضيل، تبادل ربات البيوت الأطباق الرمضانية المتنوعة بين الجيران قبيل مواعيد الإفطار، حيث تحرص الأسر على الترابط الأسري بغية الأجر والمثوبة إيمانا واحتسابا وعملا وتسابقا في الخيرات.
هذا، وتحرص العائلات أيضا على أن تكون كل ليلة متميزة عن الأخرى في هذا الشهر المعظم، من خلال تقديم أطباق متنوعة والتي يتم الحفاظ على طريقة تحضيرها لضمان مذاق ونكهة لذيذة، حيث تساهم كل تلك العادات الاجتماعية المتوارثة بين سكان جانت خلال الشهر الفضيل في تعزيز أسس تماسك المجتمع.
ق. م