يقع مسجد الكوثر وسط المدينة وبالتحديد بساحة بن مراح المعروفة بساحة التوت الشهيرة بالبليدة، يتميز بفساحته، إذ يستقطب أكثر من 12 ألف مصلٍ بالمناسبات الدينية.
وتأسس المسجد سنة 1533 على يد الشيخ سيدي أحمد الكبير وبني بفضل تبرعات أهل المنطقة، وككل المساجد في الجزائر تعرض مسجد الكوثر إبان الحقبة الاستعمارية إلى انتهاك حرمته وتهديمه من قبل المستعمر الفرنسي سنة 1830 وبعدها بنيت في مكانه كنيسة للفرنسيين، وظلت إلى ما بعد الاستقلال حتى سنة 1974 حين قامت السلطات الولائية بالتنسيق مع مفتشية الشؤون الدينية بولاية البليدة بتهديم الكنيسة وإعادة بناء مسجد الكوثر وتوسيعه، وسمي بالكوثر، استنادا لما ورد في الأثر الإسلامي وفتح المسجد رسميا لأداء الصلوات الخمس سنة 1981 وحوالي سنة بعد فتحه دشن المسجد وأصبحت تؤدى به كل صلوات المناسبات الدينية، صلاة التراويح في شهر رمضان والأعياد الدينية. وتعاقب على مسجد الكوثر كبار الأئمة بالجزائر كالشيخ علي الشرفي، الشيخ الزبير ومحيي الدين تشاتشان. كما يتربع مسجد الكوثر ككل على مساحة 12000 م2 وبه قاعة الصلاة بالطابق العلوي مساحتها حوالي 4000 م2 وتتسع لـ 8000 مصلٍ ترتكز على 25 عمودا منها الأعمدة المزدوجة، ويضم المسجد بالطابق السفلي مدرسة قرآنية، قاعة المحاضرات تضم 550 مقعدا، بيوتا للوضوء ومكتبتين داخلية وخارجية تحوي كتبا من مختلف المجالات ويوجد بالمسجد المركز الثقافي الإسلامي.
وأكثر ما يلفت الانتباه بمسجد الكوثر هو قبته الكبيرة التي تعد من أكبر قبب المساجد بالجزائر وكذلك مآذنه الأربع التي تظهر بمجرد أن ترفع رأسك إلى الأعلى والتي اعتمد المهندسون في بنائها على الشكل الثماني ويبلغ طول كل مئذنة 60 مترا.
وكانت قبة المسجد قد تعرضت إلى تصدعات في زلزال بومرداس وتم ترميمها، وطبيعة بناء المسجد تصميم قديم وبناء حديث يوجد بداخله محراب منقوشة عليه آيات قرآنية بالجبس ومنبر ثابت مبني بالرخام. تركز التعبير الفني بالمسجد على كتابة المصحف الشريف على بلاطات تحيط بالمسجد من الداخل والخارج من سورة الفاتحة إلى سورة الناس وبمراقبة كبار أئمة ولاية البليدة.
ومن أجل راحة المواطن، تحولت ساحة وحديقة مسجد “الكوثر” الأثري الموجود بقلب مدينة البليدة إلى متنفس جديد للعائلات وذلك بعد فتحها من طرف السلطات المحلية أمام المواطنين الذين استحسنوا كثيرا هذه الفكرة.
وأوضح مدير الشؤون الدينية والأوقاف، كمال بلعسل، في تصريح لـ “وأج”، أن هيئته قررت بعد موافقة السلطات الولائية فتح ساحة وحديقة مسجد “الكوثر” العتيق أمام العائلات سعيا منها للمساهمة في توفير الراحة للمواطن.
وقال ذات المسؤول بأن فكرة فتح هذا الفضاء التي تعد “أول مبادرة من نوعها على المستوى الوطني”، جاءت بعد ملاحظة جلوس العائلات أمام المسجد في المساء لما يكون مغلقا في غير أوقات الصلاة.
وتستقبل ساحة المسجد العائلات وأطفالهم بعد صلاة العصر مباشرة إلى غاية الساعة الحادية عشرة ليلا، حيث يكون الإقبال كبيرا ويزداد بعد صلاة المغرب ويبلغ ذروته بعد صلاة العشاء مما يجبر الحراس على تمديد غلق أبواب الساحة إلى منتصف الليل.
وأشار السيد بلعسل إلى أنه تم فتح هذا الفضاء للراحة والترفيه بفضل عملية إعادة تهيئة المسجد التي انطلقت منذ ثلاث سنوات وتجاوزت نسبة تقدم الأشغال بها الـ 95 بالمائة، علما أنه رصد لها غلاف مالي يقدر بـ 200 مليون دج.
ووُجه هذا الغلاف لإعادة تهيئة حديقة وساحة المسجد وتزيينهما من خلال تزويدهما بمقاعد مريحة وأعمدة مزخرفة وملفوفة بأسلاك الإنارة الملونة، ما زادها رونقا، وغرست أشجار النخيل في الحديقة وكأنها ترسم طريق الدخول والخروج، كما زود المسجد بقاعة للمحاضرات ذات معايير دولية وملحقة لقاعة المحاضرات ومكتب لإصلاح ذات البين والفتوى.
معلم تاريخي وإرث حضاري
وبهذا أصبح هذا المعلم التاريخي والديني الذي بني سنة 1533 على يد مؤسس المدينة سيدي أحمد الكبير، منارة للسياحة الدينية ومقصد الوفود الأجنبية التي تزور المدينة والتي تهتم بالبنايات الأثرية القديمة، وهو يقع في قلب مدينة البليدة ويمكن رؤية قبته المشهورة من أي جهة من جهات المدينة.
وأشار السيد بلعسل إلى أن الفكرة لقيت “استحسانا كبيرا” من طرف العائلات البليدية التي تتوافد بكثرة على هذا الفضاء، لافتا إلى أنه يجري حاليا البحث عن محسنين لتقديم هبات توجه لإنجاز ألعاب للأطفال داخل الساحة.
كما قررت المديرية تعميم هذه المبادرة على معظم مساجد الولاية، حيث “يتم اشتراط من هنا فصاعدا إضافة ساحات للمساجد الموجودة طور الإنجاز، بالإضافة إلى تهيئة ساحات جديدة في المساجد القديمة”، كما قال.
عائلات بأكملها تقضي ساعات طويلة في “منتزه” الكوثر
وفي جولة مسائية لـ “وأج” لهذا الفضاء الذي أصبح “منتزها عائليا” بامتياز، لوحظ إقبال كبير على ساحة الكوثر، حيث يكاد الزائر له ألا يجد مكانا للجلوس فيه، إذ تأتي عائلات بأكملها لقضاء ساعات طويلة في هذا المكان.
ولوحظ أن الأطفال يجلبون لعبهم ودراجاتهم الهوائية ودراجاتهم الدافعة وألواح التزلج التقليدية والكهربائية ويتسابقون فيما بينهم مما يصنع الفرجة لمرتادي المكان، فيما تجلس النسوة فيما بينهن تتجاذبن أطراف الحديث وتستمتعن بنسمات الهواء المنعشة.
وأصبح موقع مسجد الكوثر بالقرب من “ساحة التوت” المعروفة بوسط المدينة، قبلة للعائلات التي عادة ما تقوم بتناول المثلجات والمرطبات بالمحلات الموجودة بالمنطقة ثم تقصد ساحة المسجد العتيق للجلوس خاصة في الأيام الأخيرة التي تسجل ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة، ولأن المسجد يقع قبالة مرتفعات الشريعة فإن هواءه منعش.
ولم تخف السيدة حدة (68 سنة) التي كانت مرفوقة بزوجة ابنها وأحفادها الصغار، استحسانها لهذه المبادرة التي وصفتها بـ “الطيبة”، معتبرة أن فتح ساحة مسجد الكوثر هو بمثابة متنفس للمواطنين خاصة وأن المدينة تفتقر إلى هكذا ساحات.
وذكرت السيدة خديجة (45 سنة) التي كانت تجلس مع زوجها وهما يراقبان طفلهما الذي كان يلعب في الساحة، أن استحداث مكان للعائلات “أسعدنا كثيرا بسبب غياب فضاء للعب في الأحياء السكنية، إذ أصبحنا اليوم نأتي هنا ونجلس ونسهر إلى ساعات متأخرة من الليل دون حرج”.
كما أعرب السيد عز الدين (55 سنة) عن اطمئنانه التام لترك زوجته وابنتيه داخل هذه الساحة في الوقت الذي يجلس فيه هو في المقهى المجاور مع أصدقائه، نظرا لوجود أعوان الحراسة في المسجد.
من جهتهم، عبر كل من ياسين ورؤوف ومحمد وندى، كانوا يلعبون ويمرحون بهذه الساحة، عن فرحتهم الغامرة وسعادتهم الكبيرة بتخصيص هذا الفضاء لهم، خاصة وأن أولياءهم كانوا يمنعونهم من الخروج للعب في أحيائهم السكنية لغياب فضاءات مخصصة لذلك.
ق. م