سكرات القيد

سكرات القيد

تجمهرت حولي كل الذاكرة وطوقت أنفاسي، ها هي ذي تعايدني كما كل حين، بنفس الابتسامة وبحجم الشغف الذي يناهض سكوني؛

هذا الصباح أخفى فجره عني، فأسرعت لألتحق بأول العناوين من جرائد مدينتي، كنت أتصفح في عناء فالبياض ساد الصفحات، لا عناوين اليوم يا وطني سوى أسفي،

أشعل سيجارة وأقرب فنجاني وأرفع رجلي فوق الأخرى وأتظاهر بأني شامخ مثل المزهرية التي أمامي، لا تهمني كم وردة سأستبدل لأشتم جل العطور، المزهرية لا تذبل يا أنا فلم الحزن ولم تراقص الوجع وأنت تملك نصف الفرح،

أن تقنن المسافة بينكما فأنت تثبت جدارة القدر وشجاعة النبلاء، فلم الأسف ولم تجاور كؤوس الحمقى، ذنبك كأس ملائكي لامسته في أشهر حرم،

أغير جلستي وأنفث تاريخا من الآهات ملونة بطعم سجائري الفرنسية، فتقع مزهريتي من عل…!!!

لا طعم اليوم بلا فجر فالصباح يمررني للمساء، والمساء نافذتي للأرق، أفتح نافذتي وأسترق قلبي من هناك وأبحث بين الشوارع عن صورة تشبهني في إحدى الزوايا أين كان اللقاء، لقاء بطعم البقاء وبذوق الخلود، أنصت جيدا لعلي أسمع أغنية أو أقرأني في سطر ليس لي، لكنه لطيف مد يده لي واحتواني ومررني بين أنامل الحب كيفما يشاء،

المساء ليس لي دونك يا علياء والليل يعادي سريري، وجسد ربما ملكته يوما يناشدني أن مسني الوهن، لم تعد ذاكرتي صديقتي فلقد اختارت ذاكرة ولدت يوم الحب الجميل، حب بلون الأناقة ممزوج بكل المذاقات الملكية، حب عار من أثواب الخديعة وقمصان المصلحة الخاصة،

أينك علياء…!!؟

ها قد غادرت جنتي طاعة لربي، وإني في جهنم الفقد أعاني، فهل تصغين لجبهتي تستغيث كما أنصت لاشتياقك، أما أن خطيئة الأرض ستأخذك مني…!!

أهمسني دوما أني أحب الخطيئة فيك، وأني أهوى العصيان بقربك، لست متمردا ولا مرتدا لكنك عليائي، هالتي المفقودة، صباحي وفجري الذي أتكأ عليهما لتكتمل أنفاس يومي؛

لا أظنني سأقرأ جرائد مدني البيضاء فالعادات تملأها سوادا، ولا أظنني سأشتاق للأماكن، فالأطلال تفسر التاريخ وفقد التاريخ لا يهمني،

سأكتفي بذاكرتي المتبصرة وحدها تفقه جمالك،

تحدثني نفسي كيف غادرتك فأقول غادرتني الأيام وأنا بصهوتها أشعث أغبر لا حمل لي وكبدي ينمو كي يشبهني ويشير لي بأني قدوته،

غادرتُني حين غادرتك أوليس الرحيل شبه الموت غاليتي…!!؟

لا أعرف لم أبصر الصيف في حكايتنا…!! فأنت كنت كل الفصول، وكنت ربيعي حين خلّفت كل ربيع،

أرقب هاتفا يخبرني عنك وأتشامخ عن السؤال، سكرة الرغبة تثيرني وحر الخطيئة يحنيني، وأنا الناسك العائد الآن، مدينتي بيضاء وثوبي ثبات توبتي.

فاتح سلطان/ سوق أهراس