تعد النجادة أو ما يعرف بالعامية عند الجزائريين بخدمة “الطراح” من الحرف العريقة الراسخة في تقاليد المجتمع الجزائري، وهي لا زالت تمارس كما في الماضي بوسائل بدائية وبسيطة، ما يجعلها تصنف ضمن المهن التي لا تحظى باهتمام الشباب.
وتلجأ العديد من الأسر الجزائرية ممن تفضل استعمال الأفرشة التقليدية المصنوعة يدويا إلى خدمات النجاد لصنعها، بالرغم من توفر الأفرشة العصرية من شتى الأشكال والأنواع.
وتأتي الأفرشة الصوفية ضمن المفروشات الرئيسية المكونة لجهاز العروس في جميع الولايات الجزائرية، خاصة المناطق الشرقية الأمر الذي يفسر استمرار هذه المهنة عبر الزمن. ولا يحتاج النجاد إلى محل لممارسة مهنته، فهو يمارسها بالبيت أو شرفات العمارات أو الساحات بالأحياء الشعبية ويستعمل جدران الشوارع لكتابة المعلومات الخاصة به.
الجزائريات يودعن خدمة “التطريح”
كانت في زمن غير بعيد الكثير من النساء الجزائريات تتنقلن من بيت إلى بيت، وتقمن بعملية التطريح وكانت مفارشهن مثل أحجار السكر إتقانا ومتانة، إلا أنهن ومع التطور والعصرنة التي أدخلت على ديكورات المنازل، تخلت العديدات إن لم نقل غالبيتهن عن القيام بهذه المهمة، ليمتهنها الرجال بعدهن، ولعل هروبهن من متاعب العناية بمطارح الصوف وراء ذلك ووراء تخليهن عن فروة العيد لئلا يغسلن الصوف ويحترن بما ستفعلنه بها. تخلت العديد من الجزائريات عن الكثير من عاداتهن المتوارثة عبر الأجيال فمن اللباس إلى نمط الأكل وصولا إلى نمط التنظيم والتدبير المنزلي، أين طغت معايير التقدم على خصوصيات الحياة، وسمحت للجدات بالرضوخ لمشيئة البنات والحفيدات والكنات في طبع حياتهن بطبعتهن الخاصة، مفضلات المفارش الإسفنجية عن الصوفية لعدة اعتبارات.
النجادة… فيها يجد الطرّاح راحة البال رغم أنها غير مربحة
“جمال” البالغ من العمر 40 سنة نجاد عند الطلب منذ أكثر من عشرين سنة بباش جراح، يعتبر أن مهنته رغم قدمها، فهي غير متعبة مقارنة بالمهن الأخرى التي مارسها من قبل.
وأوضح جمال أنه اختار هذا العمل نظرا لطبيعته الهادئة وميله إلى الوحدة ورفضه لأن يكون له رب عمل.
واعتبر أن الجانب المالي ليس الأهم في الأمر مقارنة براحة البال، بحيث أكد في هذا الشأن: “أفضل أن أقضي كل اليوم بمفردي أصنع الأفرشة عوضا عن تلقي الأوامر من مسؤول يستغل قدراتي ولا يقدرني حق تقديري”.
ورغم اعترافه بأن النجادة غير مربحة إلا أن “جمال” أب لطفلين فخور بمهنته التي ورثها عن والده، ولكون هذا العمل المتنقل يسمح له بتوسيع معارفه، معربا عن أمله في أن يتمكن يوما ما من فتح ورشة للنجادة وتأطير الشباب الراغبين في ممارستها.
ليست مهنة المستقبل إلا أنها غير آيلة للزوال
أما “عمر” البالغ من العمر ثلاثين سنة والمقيم بالحي الشعبي بلوزداد الذي زاول هذه المهنة منذ حوالي خمس سنوات لكن دون حماس، بحيث صرح يقول: “ليس لدي خيار، فأنا مجبر على ربح قوة يومي إلا أنني لا أنوي أن أواصل في هذا المجال”،
وأردف يقول:”صحيح أنه يتم اللجوء إلي من قبل العائلات خاصة مع اقتراب فصل الربيع وموسم الأعراس إلا أنني أطمح إلى أن أجد عملا مستقرا”، واعتبر “عمر” الذي تعلّم هذه الحرفة من جاره أن النجادة ليست مهنة مستقبل إلا أنها بالموازاة مع ذلك غير آيلة للزوال، مقترحا “تكوينا أفضل للأشخاص المهتمين بهذه الحرفة القديمة وإطار عمل عصري”.
وأكد بعض الأشخاص في بعض أحياء العاصمة على الأهمية التي تكتسيها مهنة النجادة، لأن الأفرشة التقليدية، حسبهم، ستبقى إلى الأبد جزء لا يتجزأ من ديكور البيت وضرورية لاستقبال الضيوف في المناسبات الخاصة.
المفارش الهوائية بدل مفارش الصوف للمقبلات على الزواج
أرجعت مناصرات التخلي عن استعمال المفارش الصوفية في الصالونات وقاعات الجلوس التقليدية بالمنازل العاصمية، إلى صعوبة حملها ونقلها من مكان لآخر خلال عملية تنظيف المنزل، وذهبت البعض منهن إلى تفضيل نوع آخر جديد من المفارش تنفخ بالهواء، تتميز بسهولة وعملية حفظها، فلا تتطلب مكانا واسعا لحفظها في حال عدم استعمالها للزينة، كأن تحتفظن بها فقط لاستعمالها في حال استقبال ضيوف، كما قالت السيدة “دعاء” المتزوجة حديثا التي فضلت أن تستبدل في جهاز عرسها مفارش الصوف بالمفارش الهوائية، لأنها لا تتوفر على مساحة كافية لاستعمالها في الزينة خاصة وأنها تقطن مع العائلة الكبيرة، فلا يمكنها أن تفرض عليهم تغيير ديكورهم واستبداله بآخر وفق رغبتها، فاكتفت بهذا النوع من المفارش الاصطناعية.