اعرف نبيك

صور من العناء الذي واجهه النبي صلى الله عليه وسلم

صور من العناء الذي واجهه النبي صلى الله عليه وسلم

إن المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجد أنه قد ذاق من صنوف العناء ألوانًا؛ وقد كان ذلك حتى يرفع الله درجته، ويكون قدوة للمؤمنين في طريق الإيمان. يقول الله تعالى: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ” الأحزاب: 21. فمن صور العناء التي لقيها سيد الأنبياء في مكة: تكذيب قومه له، فقد جاءهم بالحق من عند الله فردوه عليه وقالوا عنه: إنه كذاب، مع أنه عاش بينهم وهو موصوف فيهم بالصادق الأمين! فما أشدها من كلمة تقع في أذن الصادق حينما يقال له: إنه كاذب! ولتكذيبهم له أعرض أكثرهم عن الاستجابة لما يدعوهم إليه من الحق، فكان ذلك مما يحزنه ويغمه؛ لحرصه عليهم، وخوفه من موتهم على ذلك؛ رأفة منه بهم. لكن الله تعالى كان يسليه عن حزنه، ويخفف من عنائه بنزول الآيات التي تنهاه عن الحزن قال تعالى ” وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ” النمل: 70. ولم يسلم نبي الله عليه الصلاة والسلام من سب المشركين وطعنهم وتهمهم الباطلة في حقه، فكان ذلك صورة أخرى من صور العناء؛ فقد رموه بالسحر والكهانة والجنون والأخذ من أساطير الأولين، قال تعالى: ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ”  الفرقان: 4-5. وفي الطائف بقي رسول الله عشرة أيام يدعوهم حتى قالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء. فلما جلس واطمأن دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقي من الشدة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد، قال: “اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.

من موقع إسلام أون لاين