يتسابق الجزائريون لصيام أيام الصابرين بمجرد انقضاء يومي العيد، هذه الأيام التي اقتصر صيامها على فئة الكبار لوقت طويل، لكن الأمر تغير، فلم يعد إقبال الجزائريين على صيام ستة أيام من شوال مقتصرا فقط على شريحة معينة من المجتمع ككبار السن، حيث أضحى المراهقون والشباب يقبلون على صيامها، فبعض الأسر يستمر أفرادها في صيام أيام الصابرين مع الحفاظ على نفس مائدة رمضان وكأن الشهر لم ينقض بعد، بل يتسارعون لصيام “أيام الصابرين” في ثاني يوم من أيام عيد الفطر المبارك.
عندما يحنّ الجزائريون لرمضان
“الموعد اليومي” تنقلت إلى الشارع الجزائري لتبحث عن الأسباب الحقيقية التي تجعل بعضا من المواطنين يطبقون سنة الله في شهر شوال، وكان أول من التقيناهم “عمي مراد” الذي بدا لنا في عقده الخامس، والذي لم يخف عنا أنه دأب على صيام ستة أيام من شوال كل سنة، تطبيقا لسنة الحبيب المصطفى من جهة، وكذلك طمعا في الأجر والثواب من عند الله.
أما “خالتي جوهر” التي قالت إنها تجد نفسها مجبرة غير مخيرة لصوم شوال، فبالرغم من أنها تحب لو أنها تستريح أياما بعد رمضان، إلا أن زوجها وأولادها لا ينتظرون، فبمجرد مرور ثاني أيام العيد تجد جميع أفراد عائلتها قد نووا الصيام، لتعاندهم هي الأخرى وتعقد نية الصيام من أجل نيلها للثواب وأجر الصيام.
“خالد” هو الآخر شاب في ربيعه الثاني، وجدناه متعبا ومرهقا لما سألناه عن السبب، قال إنه صائم شهر شوال، وعن سبب صيامه تكلم “خالد” بصراحة كبيرة إنه ألف شهر رمضان ومجرد التفكير في انقضائه يؤلمه، ما جعله يفكر في صيام ستة أيام من شوال.
“لمين” صاحب الثلاثين عاما، قال إنه لم يفكر يوما في صيام شوال خاصة خلال الأيام الطويلة، إلا أن صديقه القريب منه حببه في صيام شوال خاصة عندما علم أن من صام أياما من شوال وكأنه صام الدهر كله وغفر له ذنبه.
وحتى الصغار يصومون ستة أيام من شوال
بعد أن كان صيام أيام من شهر شوال محتكرا منذ زمن غير بعيد على الكبار من الرجال والنساء وكذلك المسنين، انتقل هذا الأخير إلى فئة الشباب، الذين كانوا بالأمس القريب لا يأبهون بالصيام ويكتفون بشهر رمضان فقط، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المجتمع الجزائري المسلم ما يزال الدين فيه بخير مادام المواطنون يحرصون من مختلف الفئات والشرائح العمرية على تطبيق سنّة خير خلق الله.
الجزائريون يفضلون الستة أيام الأولى من شوال
ونحن نتحدث إلى مواطن جزائري حول صيام هذا الشهر، أكد لنا بأن أغلبيتهم يفضلون صيام أيام الأسبوع الأول منه، أي بعد ثاني أيام العيد المبارك مباشرة، وذلك حسبهم أنه من الصعب أن يرتاحوا من صيام رمضان أياما ليعودوا ثانية لصيام أيام من شوال على العكس إذا صاموا الأيام متتالية وربطوها بأيام رمضان، ذلك أنهم لن يجدوا صعوبة على اعتبار أنهم اعتادوا وألفوا نمط الصيام.
وإلى جانب هذا السبب، وجدنا أن المواطن الجزائري يمتلك عقلية اغتنم حياتك قبل مماتك، فحسب من تحدثنا إليهم من يضمن لهم العيش إلى وسط أو نهاية شهر شوال، لذلك وما داموا يستطيعون وهم على قيد الحياة، فلابد لهم أن يصوموا وإن أخذ الله أمانته حسب قولهم، فعلى الأقل أنهم إما انتقلوا إلى جوار ربهم وهم صائمون وإما أنهم اغتنموا فرصة صيامهم وانتهى الأمر.
فبالرغم من اختلاف أسباب صيام أيام من شوال سواء في بداية الشهر أو وسطه أو حتى في نهايته، إلا أن الستة أيام من هذا الشهر تبقى دائما حصيلة يوم كامل من الصيام الخالص لوجه الله مع وجود بعض من الاختلافات بالمقارنة مع الشهر الكريم، مع اشتراكهما في الأجر الذي يجزى به العبد.
فضل صيام الأيام الستة من شوال
بعدما صمنا 30 يوما من شهر رمضان، وحلقت فيه أرواحنا إلى السماء، وتنزلت ملائكة الرحمان في ليلة عظيمة، وفتحت فيه أبواب الجنة، وتغيرت فيه نفوسنا للأفضل وكانت الطاعة فيه أيسر، حزم شهر رمضان حقائبه ورحل، بعدما تدربت النفس فيه على إيثار الحق، ولأن صيام رمضان يقابل عشرة أشهر، وصيام ستة من شوال يقابل شهرين، فذلك تمام العام، إذن من صامها يكتب له أجر صيام سنة كاملة، ومن فوائدها كذلك: هو إكمال صيام الدهر كما جاء في الحديث، وإن صيام الستة من شوال هو علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبّل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، عمل حسنة أتبعها بحسنة أخرى، كما هو شكر الله على إتمام نعمة الصيام، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عبادة شكر نعمة صيام رمضان، فقال: ولتكملوا العدة و لتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون” (البقرة :185)،- أنه أداء لسنة الرسول عليه الصلاة
والسلام – اكتساب محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن والرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بنوافل يوم القيامة، والدليل على ذلك: “إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم، انظروا لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع، قال: “أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم” رواه أبو داود.
وهذه الأيام هي فرصة من الفرص الغالية، حيث يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى، لذا تكثر المسارعة إلى مغفرة من ربنا لقوله تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (النحل97).
ل. ب