مدينة طولقة…هي إحدى دوائر ولاية بسكرة، هي واحة كبيرة مترامية الأطراف، ذات نخيل كثير، تقع جنوب الجزائر، حيث تبعد عن الجزائر العاصمة بمسافة 390 كلم وعن مدينة بسكرة مقر الولاية بـ 30 كلم، تشتهر مدينة طولقة بجودة تمورها، فهي تنتج أجود أنواع التمور في العالم، خاصة تمر يسمى دقلة نور، وهو النوع الأشهر على الإطلاق والذي تجاوزت شهرته الحدود وتعدتها إلى العالمية، كما تشتهر مدينة طولقة بكثرة آبارها الارتوازية، وأراضيها الخصبة الزراعية، هي والدوائر القريبة منها مثل الغروس وليوة و ليشانة والمخادمة.
“طولقـة” قـد تعـود في أصلهـا إلى اللغـة الرومانيـة، وهـذا مـا تـوحي بـه مقابلتهـا بأسمـاء بعـض الأماكـن ـ مـع تغييـر بعـض الأحـرف ـ كـ: تولقـة (بحيـرة الطيـور المتواجـدة في ولايـة الطـارف)، ومدينـة طنجـة في المغـرب الأقـصى، ومدينـة طبنـة عاصمـة الـزاب، كمـا أن اسـم طولقـة يتسـمى بـه كثيـر مـن الأوروبييـن حـتى الآن.
وكانت طولقـة أيـام الرومـان عبـارة عـن مركـز عسكـري متقـدم، يربـض عـلى الضفـة الشماليـة لـوادي جـدي الشهيـر، وهـو الحـد الجنـوبي للخـط الدفـاعي الرومـاني المعـروف باللمـس، وقـد أقـام الرومـان عـلى طـول هـذا الـوادي مراكـز عسكريـة منهـا: الدوسـن وطولقـة ومتليـلي.. وغيرها، وظلت إلى وقت غير بعيد بعـض الأساسـات المبنيـة بالصخـور العملاقـة الـتي شيـد بهـا الرومانيـون مبانيهـم في طولقـة القديمـة المسمـاة بالدشـرة شاهدة على مرور الرومان من هنا ولكنهـا ـ الآن مـع الأسـف الشديـد ـ انهارت وتلاشت، بسبب استعمال عامـة النـاس لها بشكـل فوضـوي في بنـاء مساكنهـم، وكانـت هـذه الأساسـات الرومانيـة في الدشـرة أيـام الاستعمـار الفرنـسي مقصـداً للسائحيـن مـن مختلـف الأجنـاس.
أضرحة وزوايا تعزز معالم المدينة التاريخية
بالقرب من مدينة طولقة توجد زاوية الشيخ علي بن عمر القرآنية ومسجد وضريح الشيخ عبد الرحمن الأخضري صاحب كتاب السلم، وضريح الشيخ بن عزوز بقرية برج بن عزوز الذي تتلمذ على يده شيوخ الزاوية العثمانية، ولكن تم إهماله وقد تخرج من هذه المدينة والقرى المجاورة لها كثير من العلماء الذين كان لهم الفضل الكبير والأثر البارز في نهضة الجزائر العلمية والثقافية قبل وبعد الاستعمار الفرنسي، ولا يخلو بيت في مدينة طولقة إلا وتجد فيه شهيدا أو مجاهدا، وهو ما يعكس دور هذه المدينة في محاربة الاستعمار الفرنسي الغاشم.
مزارع نموذجية وآبار ارتوازية فياضة
تمتـاز دائـرة طولقـة بمزارعهـا النموذجيـة الفسيحـة، وأشجارهـا المتنوعـة الأشكـال والأصنـاف؛ مـن: نخيـل ورمـان وتيـن وزيتـون ومشمـش وإجـاص وتفـاح وبرتقـال وعنـب وخـوخ وسفرجـل.. وأنـواع كثيـرة مـن الفاكهـة الأخـرى. أضـف إلى أنهـا تنتـج أجـود أنـواع الخضـر الـتي تصـدر إلى شمـال البـلاد، غيـر أن أهـم ما تنتجـه هـذه الدائـرة هـو التمـر المعـروف باسـم دقلـة نـور؛ ووصـف بالنـور لأنـه يمتـاز بالصفـاء والشفافيـة؛ حـتى أن النـواة تظهـر للعيـان عنـد النظـر إليهـا عبـر حبـة التمـر. أمـا وفـرة مـا تنتجـه أرض طولقـة مـن فاكهـة وخضـار؛ فمردهـا إلى مـا خـص بـه اللـه هـذه الدائـرة مـن ميـاه عذبـة رقراقـة، وعيـون غزيـرة متدفقـة في كـل بقعـة مـن هـذه الدائـرة. وإذا كانـت طولقـة قـد اشتهـرت بآبارهـا الارتوازيـة الفياضـة؛ فإنهـا كانـت أيضـاً تحـظى بعـدد كبيـر مـن المنابـع والجـداول والأوديـة الحيـة؛ ذات الميـاه العذبـة؛ الـتي تستهلـك في سـقي آلاف المـزارع وفي إشبـاع احتياجـات السكـان للشـرب والغسيـل وغيـره.. حيـث يسـعى الفلاحـون ـ قبـل بـزوغ الشمـس ـ إلى مزارعهـم؛ مَحْموليـن عـلى دوابهـم أو عـلى عربـات تجرهـا الحميـر والبغـال. وفي المقابـل تنتشـر مجموعة مـن النسـاء عـلى طـول الأوديـة والجـداول لـكي يغسلـن الملابـس، متكئـات عـلى الصخـور المسطحـة المتناثـرة عـلى ضفـاف تلـك الجـداول.
تمازج بين العادات والدين الجديد
إن أولى الفتوحات الإسلامية للمغرب العربي مرت عبر المنطقة باعتبارها ممرا طبيعيا بين القيروان والغرب الجزائري، وكانت هذه الفتوحات تأخذ الطرق المحاذية للأطلس الصحراوي، حيث المياه والمؤونة متوفرة، ودامت الفتوحات قرابة الخمسين سنة تخللها استشهاد سيدنا عقبة بن نافع الصحابي الجليل بالقرب من تهودة (سيدي عقبة) وخلال هذه الفترة احتك السكان بالدين الجديد ولمسوا فيه العدل والمنطق والمساواة والأخوة، فدخلوا في دين الله أفواجا، وأعزوا الإسلام وشاركوا في فتوحاته، واستطاعوا أن يمزجوا بين تقاليدهم وتعاليم الدين الجديد، مما أثرى الحضارة العربية الإسلامية أكثر.
العهد العثماني: العثمانيون بسطوا نفوذهم والمنطقة ساهمت في الازدهار الاقتصادي
بدأت المنطقة تخضع للحكم العثماني تدريجيا، وكان يؤكد المؤرخون أن السكان رفضوا دفع الإتاوات حتى سنة 1641 ومن الملاحظ أن العثمانيين لم يولوا أهمية كبيرة للمنطقة واكتفوا ببسط نفوذهم الإداري فقط، بينما بقيت الحياة اليومية للسكان بدون تغيير .
عرفت المنطقة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ازدهارا ملحوظا في الميدانين الاقتصادي والثقافي لم تعرفهما من قبل وربما نعتبر هذا انعكاسا للحياة العامة للجزائر في ذلك الوقت..
طولقة وضواحيهـــا خلال العهد الاستعماري
أولى الحملات الاستعمارية:
مقاومة شرسة انتهت بتضييق الخناق على المنطقة
بعد سقوط مدينة الجزائر العاصمة في جويلية 1830 م، وبداية توسع الاستعمار الفرنسي شرقا وغربا، بدأت معها المقاومة الشعبية التي لم تنته إلا بخروج آخر جندي فرنسي من هذه الأرض الطاهرة .
إن مقاومة أحمد باي استمرت بعد خروجه من قسنطينة، حيث فضل الالتحاق بالمناطق التي ساندته قبائلها، حيث توجه نحو منطقة الزاب أين أقام مخيمه بين العامري وفوغالة ورغم محاولات شيخ العرب ببسكرة إلا أنه استطاع الصمود خاصة وأنه وجد كل المساندة والدعم من سكان الجهة، وخلال الفترة الممتدة بين (1839-1845) حاولت فرنسا استعمال كل وسائلها الاستعمارية لفرض سيطرتها غير المباشرة على المنطقة وذلك بتطبيق سياسة فرق تسد، بين عروش المنطقة لكنها لم تفلح لأن السكان انقسموا بين مقاومتي الأمير عبد القادر وبين مقاومة أحمد باي، وبتاريخ 08 فيفري 1844 بدأت فرنسا تتحرك بكل ثقلها العسكري للقضاء نهائيا على المقاومة بالمناطق الجنوبية، فبقيت المنطقة تحت الحكم العسكري الفرنسي، وكلها كراهية ومقت لهذا الدخيل الغريب، خاصة وأنها تتميز بعزة النفس والشرف والنبل .
لمياء. ب