فامشوا في مناكبها

فامشوا في مناكبها

إن من أعظم أفعال الربِّ جلَّ وعلا رزقه لعباده مؤمنهم وكافرهم، ويدل عليه توحيد الربوبية فهو الرازق جل وعلا، ويدل عليه توحيد الأسماء والصفات فمن أسماءه “الرزاق”، وما كان الله ليخلق خلقًا ثم يتركهم سدى وعبثًا دون أن يرزقهم، قال سبحانه بعد أن ذكر أنه خلقهم للعبادة: ” مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ” الذاريات: 57، 58. ومن حكمة الله أنه سخَّر لعباده ما في السماوات وما في الأرض؛ من أجل أن يتفرغ العبد لطاعة ربه، ويجعل ما وقع في يده من خير ومال في طاعة الله سبحانه، إلا أن هذا الرزق مقدّر عند الله جل وعلا، فَكُلٌّ قد كُتب له رزقه منذ ولادته وحتى وفاته، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فهذا غني، وهذا متوسط في غناه، وهذا فقير، فهو سبحانه حكيم في تدبيره، فقد جاء في الحديث: أن من العباد من لا يصلح له إلا الغنى ومن العباد من لا يصلح له إلا الفقر. واعلم أن هذا الرزق إنما يحصل بالدعاء وفعل الأسباب والمشي في الأرض لطلبه، قال سبحانه: ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ “، وانظر إلى مريم وهي تلد ابنها عيسى عليهما السلام كيف أمرها الله بفعل الأسباب وذلك بهز النخلة حتى يسقط الرطب لتأكل، والله قادر على رزقها بدون تعب ولا هز. وأعظم ما تميز به أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام هو الأكل مما عملت أيديهم، وما ذاك إلا لتواضعهم ومعرفتهم بالله جل وعلا أنه لا يخلق خلقًا دون أن يرزقهم، وعِلْمِهم أن الله قد خلق أسبابًا ومسببات، فما من شيء إلا وله سبيل يوصل إليه، ولا يمكن عبور هذا السبيل إلا بفعل الأسباب النافعة والمباحة والمشروعة التي تُسَهّل الوصول إلى هذا الشيء. وانظروا إلى الصحابة رضي الله عنهم لما علموا أن رزق الله لا بد فيه من فعل الأسباب والمشي في الأرض ظهر فيهم الأغنياء والتجار، بل منهم من يجهز الجيش وحده، ومنهم من ينفق الأموال الطائلة في سبيل الله، مع ذلك كانوا أتقى البشر وأطوعهم لله ورسوله وأكثرهم بُعدًا عن الدنيا وزخرفها، لأن هذه الأموال كانت في أيديهم وليست في قلوبهم، وقد جعلوها عونًا لهم على طاعة الله ورسوله. فالمهم أن يبذل المرء السبب ويتوكل على الله جل وعلا ويتقه؛ لأن التقوى سبب عظيم للرزق: ” ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب”.

موقع إسلام أون لاين