طالب عدد من المواطنين بمنع تصوير المستحقين للمساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية عند تسليمها لهم، موضحين أنها عملية غير أخلاقية ولا تتماشى مع المبادئ الإنسانية، في حين هناك من يقول إنه مع عملية تصوير المساعدات كونها تبني الثقة بين المتبرعين والجمعيات الخيرية لكنهم ليسوا مع تصوير الأشخاص المحتاجين في هذا الوضع.
أصبح تصوير العمل الخيري فعلا متداولا، حيث تنتشر فيديوهات تصور عملية تقديم المساعدات، ولا يقتصر الأمر على الجمعيات والمتطوعين، بل تعداه إلى المسؤولين الذين يوثقون تقديمهم للإعانة بصور وفيديوهات يطلقونها عبر الشبكة العنكبوتية ليتمكن من رؤيتها الجميع.
تعزيز المكانة السياسية
في هذا السياق، أحدثت خرجة والي برج بوعريريج عبد القادر بلحزاجي، لدى استجابته لنداء طفلٍ على مواقع الاجتماعي، يريد كرسيًا متحركًا، جدلًا واسعًا في الأوساط الاجتماعية الجزائرية، كيف لا وهو استدعى وسائل الإعلام، لتوثيق هذه اللحظة، مستغلًا حاجة الطفل إلى المساعدة، فظهر في التقرير وهو يتصل مباشرة من مكتبه بعائلة الطفل، ويتحدّث بنبرة مبالغ فيها بأنّه مستعد لتقديم أيّ شيء، وصولًا إلى مشهد تسليم الكرسي المتحرّك مرفوقًا بوسائل إعلامية.
“دير الخير واتصور معاه”
لا يمكن إنكار أن كثيرين سبقوا الوالي إلى هذا النوع من المشاهد، التي يرفضها الجزائريون عمومًا، تحت عنوان: “دير الخير واتصوّر معاه”، العبارة الشهيرة التي لاحقت أصحاب المساعدات الخيرية، وبنفس طريقة والي البرج. وحول هذا الموضوع، تقول إحسان طالبة جامعية “إنّ إعانة شخص من باب الإنسانية، لا تتطلّب هالة واسعة من التشهير به، وبفاعله ومتلقّيه أيضًا. ووصل البعض إلى اعتبار ما قام به والي البرج بـ “السقطة”، أما من المنظور السياسيّ، فيرى البعض أنها مجرّد “حركة من شأنها أن ترفع أسهم المسؤول في ولايته، وهي حركة ينتهجها الكثير من موظفي الدولة، عبر البلديات والدوائر والولايات لتوظيفها سياسيًا، وكسب نقاط لدى الجهة التي وظفته.
أما محمد فيعتبر ما يقوم به المسؤولون من تصوير المساعدات التي يقدمونها بـ “صك غفران سياسي”، يحتاجه البعض لتبرير قراراتهم، مثلما فعل والي ولاية ميلة عمير محمد، الذي استجاب بدوره لنداء ذلك الراعي الذي تمت سرقة أغنامه، وأحدث الفيديو الذي نشره، موجة عارمة من التضامن في أوساط التواصل الاجتماعي، فأهداه الوالي، وثيقة رسمية تفيد باستفادته من سكن ريفي، وبعض المال لشراء أغنام، ولكن تحت أعين الكاميرات صوتًا وصورة.
من جهته، يقول مصطفى إنّ فيديو والي البرج وغيره من الصور التي باتت تُنقل عبر التلفزيون وتنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، “مخيّبة أكثر ممّا هي مُفرحة، خصوصًا إن كان المسؤول له سوابق وأخطاء في منطقته، ويُحاول بهذه الوسائل أن يروّج لصورته أو تلميعها، خصوصًا في ظلّ الظروف التي تعيشها البلد، والتغييرات السياسية المتوقّعة، وبحث الجميع عن فرصة للتموقع.
ترسم المناطق النائية والقرى والمدن الصغرى في الجزائر، صورة أخرى عن التشهير بالفعل الإنساني من عدّة جهات، حيث يعرف الجميع بعضهم، كما قالت سامية ناشطة في جمعية خيرية، حيث اعتبرت أنه من العار أن تقف امرأة أمام باب الذلّ لأجل إعانة أبنائها بعد وفاة الزوج، أو تترجّى مطلقة طلب إعانة في فصل الشتاء، لتجد صورها في كل مكان”، كما اعتبرت أيضا أنه من العار أن يُصبح للخير معنىً واحدًا وهو التشهير به، بعيدًا عن كل التقاليد والأعراف والدين أيضًا.
عمل خيري أم كرم استعراضي
لا يمكن أن تتعدّى الأعمال الخيرية، حدود ذلك السقف الاجتماعي الذي لفت الجزائريين في كل المناسبات، وبطرق إيجابية، مختلفة هنا وهناك، لكن ما نراه اليوم هو “كرم استعراضي فردي”، لا يُمكن تعميمه، واعتبرت سامية موظفة وناشطة في جمعية خيرية أن المسؤولين يُحاولون تبنّي فكرة الاستجابة الفورية لنداءات بعض المواطنين، وبطريقة استعراضية أقرب ما تكون إلى الإشهار لحملة خيرية أو جزء من تمثيلية إنسانية، تؤثر في المشاهد فترة وجيزة، ثم ما تلبث أن تُنسى، على حدّ تعبيرها. وأضافت المتحدّثة، أنّ “محاولة المسؤول في الجزائر، قلب التقليد المتعارف عليه من تملق وتزلف المواطن للحاكم، إلى تودّد الحاكم للمحكوم، هي مجرّد فكرة حالمة غير مبنية على أرضية صلبة”، مضيفة أنّ “معالجة قضايا الناس، من عوز ومرض ومظلوميات، يجب أن يتمّ وفق برنامجٍ مدروسٍ يخضع لإحصاء الحالات وترتيبها، من حيث النوع والأولوية، ومن ثم تحضير جدول زمني وميزانية خاصّة، حتى تتمكّن السلطة المعنية من تقديم المساعدة الفورية لأصحابها، بناءً على ملفٍ معالجٍ بدقّة”.
لمياء. ب