الرئيسية / ملفات / في الذكرى الـ66 لإضراب الـ8 أيام التاريخي.. محطة بارزة لم تنل حقها من الدراسات التاريخية

في الذكرى الـ66 لإضراب الـ8 أيام التاريخي.. محطة بارزة لم تنل حقها من الدراسات التاريخية

تحل، اليوم، الذكرى الـ66 لإضراب الـ8 أيام الذي يعد من المحطات البارزة في تاريخ تطور الحركة الثورية الجزائرية، نظرا لكونه مرتبطا ارتباطا شديدا بتطور القضية الجزائرية في الأمم المتحدة.

يُعد إضراب الثمانية أيام من بين الأحداث الهامة والبارزة في تاريخ الثورة الجزائرية، فقد جاء تدعيما وتنفيذا لقرارات مؤتمر الصومام الرامية إلى تصعيد الكفاح العسكري والسياسي، مع ضرورة إشراك كافة فئات الشعب الجزائري بمختلف شرائحه في هذا النضال التحرري، ويعتبر هذا الإضراب أول امتحان للثورة في مرحلتها الثانية، أعطى دفعا قويا للجانب الدبلوماسي للقضية الجزائرية، بحيث سجل التاجر الجزائري مدى انضباطه والتزامه بمبادئ الثورة، وبفضل هذا الإضراب تم الحسم بخصوص الممثل الشرعي للشعب الجزائري بعدما كان هناك تضارب بين المصاليين وجبهة التحرير الوطني بفرنسا.

 

قوة ودعم للجانب الدبلوماسي

أوضح المؤرخ محمد لحسن زغيدي في تصريح سابق بمناسبة الذكرى الـ 66 لإضراب 28 جانفي 1957، أن القيادة الأولى وهي لجنة التنسيق والتنفيذ دخلت في امتحان صعب، لأن هذا الإضراب جاء في وقت مناسب وهو رؤيتها بضرورة إعطاء قوة للجانب الدبلوماسي فيما يتعلق بمصير الثورة، وحقها في الحصول على دعم أممي يفعّل عملية تقرير المصير، ولذلك كان لابد للوفد الخارجي من دعم وإن كانت مجموعة باندونغ قد سجلت مواقف تاريخية في مساندة الثورة الجزائرية منذ أفريل 1955، على حد قوله.

وأضاف الباحث التاريخي، أنه بعد مؤتمر الصومام والدورة الـ11 لهيئة الأمم المتحدة، كان يتطلب وجود عمل داخلي قوي، لأن الدورة العاشرة لجمعية الأمم المتحدة التي تزامنت مع اندلاع عمليات هجوم الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 التي دعمت مجموعة باندونغ وأعطت الشرعية القوية للقضية الجزائرية، فكان لابد من عمل وطني وشامل، مشيرا إلى أنه إذا كانت 20 أوت 1955 من الشرق الجزائري، فالعملية الثانية كان يجب أن تكون من الوسط الجزائري، وخاصة إذا استهدفت فئة التجار، لأن التجارة هي الحياة والتاجر هو زارع الحياة فيما بين أفراد المجتمع.

وقال أيضا إنه حينما يقع الإضراب التجاري سيمس كل العائلات الجزائرية، والوطن الجزائري خاصة في الوسط الذي له بعد إعلامي قوي، مبرزا حنكة قادة هيئة التنسيق والتنفيذ في التخطيط للثورة من عدة جوانب، بحيث اقترح شهرا ثم 15 يوما ثم تقلص إلى ثمانية أيام، واقترح بعض الأعضاء أن يدوم الإضراب طيلة دورة الأمم المتحدة، ولذلك كان الإضراب يؤجل من هذا التاريخ إلى أن تقرر تنظيمه نهاية جانفي وبداية فيفري 1957.

في هذا الشأن وصف زغيدي، هذا الحدث التاريخي الرمز بالمحطات التاريخية الأخرى، كمؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، الذي يمثل المرحلة الثانية للثورة والمرحلة الأولى في التنظيم الجديد الذي خرجت به خلال هذا المؤتمر من تنظيم هيكلي، إداري وثوري من جميع الجوانب.

موازاة مع ذلك، أكد المؤرخ أنه في هذا الإضراب سجل التاجر الجزائري، مدى انضباطه والتزامه بمبادئ الثورة وبرهن على عضويته وهيكلته في إطار الثورة التحريرية فتحمّل كل الأعباء والضغوطات والتنكيل والمواجهة، ووسائل التعذيب من جميع أنواعها ليصمد صمودا ثابتا ويبرهن على أن الثورة في هذا المستوى.

وأضاف زغيدي، أن هذا الإضراب لم يشمل الجزائر فحسب، وإنما توسع إلى كل المناطق التي تواجد فيها الجزائريون كتونس والمغرب، بحيث ساهم الأشقاء التونسيون والمغاربة في الإضراب لمدة يوم واحد واستمر الجزائريون هناك في استكمال الإضراب، وفي فرنسا دام الإضراب ثمانية أيام لكن كان على صنفين، بحيث نادت الحركة المصالية هي أيضا للإضراب ليوم واحد.

وفي هذه النقطة قال أستاذ مادة التاريخ المعاصر، إن هذا الإضراب يعتبر نوفمبر الثاني بالنسبة للجالية الجزائرية في أوروبا وبالتحديد بفرنسا، لأن الأمر كان يختلط عليهم في من يقود الثورة في الجزائر، المصاليون يدّعون أنهم الممثل الشرعي للشعب الجزائري، وجبهة التحرير الوطني تقول إنها القائد، ونظرا لتجذر الحركة المصالية في فرنسا، حتى أصبحت هي الأقوى هناك، ظن الجزائريون أن هذه الحركة وفية ومستمرة.

 

الإضراب أعطى نتائج جد هامة وفضح الاستعمار

وأضاف الأستاذ أن الجزائريين في هذا الإضراب استمروا ثمانية أيام، فانكشف الوضع وعرف الجزائريون أن من يقود الإضراب والثورة، هي جبهة التحرير الوطني وليس سواها، مؤكدا أن هذا الإضراب أعطى نتائج جد هامة، تناولته الصحافة الإقليمية والمغاربية والدولية والعربية وغيرها، بما في ذلك الصحافة الفرنسية التي عالجته وأعطته دعاية كبيرة لأنها تعيش الواقع، كما أن مراسليها من الجزائر، نقلوا هذا الواقع.

بالمقابل، تم فضح القوات والجيش الفرنسي في هذا الإضراب، حينما قام بخلع وتكسير أبواب المحلات ونهب ممتلكات المواطنين، وهنا أيضا سجل الجزائريون في هذه الفترة تضامنا أخويا قلّ نظيره في التاريخ، وكذا تآزرا فيما بين الأسر الجزائرية، قائلا: “تلك العفة التي برهن بها الجزائريون، حيث لم يسجل أن امتدت يد جزائري إلى أي محل من المحلات التي كانت سلعهم معروضة أمام الناس، لذلك برهنوا على ذلك الانضباط القوي”.

ومن نتائج الإضراب أيضا هو، إظهار جبهة التحرير الوطني داخليا وخارجيا أنها هي القائد والمسيطر والممثل الشرعي الحقيقي للشعب الجزائري، وذلك في الالتزام الشامل والكامل لكل المواطنين داخل وخارج الوطن حول الثورة الجزائرية، وحسبه فإن إضراب 28 جانفي 1957 هو اليوم الوطني للتاجر الجزائري، مثل يوم العامل الجزائري ويوم الطالب الجزائري، الذي برهن فيه على مستوى الثورة الجزائرية.

وفيما يتعلق بالكتابات التاريخية حول هذا الحدث، على مستوى الجامعات، تأسف زغيدي عن أن هذه المحطة الهامة من ذاكرة الأمة الجزائرية، لم تنل حقها من الدراسات التاريخية، لكنه استطرد قائلا: “فيه تشجيع للطلبة لتناول هذا الموضوع، أرى أنه في المستقبل سينال حقه، وإنما لابد أن يعلو بحقه الأكبر وهو الدور الكبير للتاجر الجزائري، الذي لعبه في إيصال مبادئ الثورة والالتزام بها”.

ل. ب

 

 

الرابط