تحتفي العائلات الجزائرية بعيد “يناير”، الذي يأتي هذه السنة وسط متغيرات سياسية واجتماعية كثيرة، كما تعد هذه السنة الثانية التي يُحتفى فيها بيناير كعيد وطني بعد قرار السلطة ترسيم 12 يناير رأس السنة
الأمازيغية كعيد وطني السنة الماضية، وعطلة مدفوعة الأجر، وهو القرار الذي ظهرت آثاره واضحة على الشارع العاصمي، الذي يتحدى صعوبات السنة الميلادية الجديدة 2019، باحتفالات بداية السنة الأمازيغية 2969، التي تحمل في بعدها الثقافي رمزية أبدية للتفاؤل والتبرك بالنسبة لكل الأمازيغ.
“يناير “حكاية السنة الأمازيغية الأصيلة
تبدأ السنة الجديدة الأمازيغية في 12 جانفي من كل عام لتباشر هذا العام سنتها الـ 2969 من التاريخ الأمازيغي الذي تعود بدايته إلى سنة 950 ما قبل الميلاد، وهو تاريخ انتصار الملك البربري “شيشناق” على فرعون مصر (رمسيس الثالث) آنذاك. ومنها بات التأريخ لهذا العام عند قبائل الأمازيغ في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وأمازيغ الساحل الصحراوي. ورغم أن هناك عدة أساطير تتحدث عن بداية هذه السنة ومرجعيتها ككون الحدث مرتبط بالمرأة التي كسرت أسطورة الإله “يناير” في هذا اليوم وخرجت لترعى غنمها قبل أن يعثر عليها مجمدة وقطيعها في يوم مثلج بارد وأساطير أخرى كالتي تروي الأحداث الفلكية للانقلاب السنوي من فصل لآخر، وفيه بالذات التحضير لموسم فلاحي مقبل، ما يعني أن جلب أسباب السعادة خلال السنة القادمة يستحق بعض التضحيات لذبح ديك أو تحضير وليمة كفأل خير. ولكن حكاية الملك “شيشناق” وتغلبه على فرعون مصر يراها المؤرخون بالجزائر أقرب للاحتفال بها وبهذا اليوم.
رأس السنة الأمازيغية تنعش أسواق العاصمة
يشهد المتجوّل بين شوارع وأسواق الجزائر العاصمة، أياما قليلة قبل حلول الإحتفالات برأس السنة الأمازيغية، إقبالا كبيرا للمواطنين على طاولات المكسرات والحلويات، ومحلات بيع مستلزمات التحضير لهذه المناسبة ذات الصلة الوثيقة بالثقافة والهوية الجزائرية، بعيدا عن البهرجة والتقليد الذي يميز عديد الاحتفالات الأخرى على غرار رأس السنة الميلادية، والمولد النبوي الشريف، وهو ما أكده أحد باعة المكسرات في سوق ميسونيي (خليفة بوخالفة) الذي يعرض أجود أنواع السلع في شكل تقليدي لافت للانتباه، والذي يؤكد على حرص زبائنه على اقتناء كل ما له صلة وثيقة بالمناسبة على غرار المكسرات والفواكه الجافة خاصة التين والتمور، التي يقول بأن لها رمزية خاصة لدى الأمازيغيين، مشيرا إلى أنه ورغم ارتفاع أسعار السلع مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن “يناير” استطاع أن يخلق حيوية كبيرة في المحلات منذ أيام.
وعلى مستوى سوق “كلوزال”، تقربنا من السيدة “لوزية”، وهي بائعة دائمة هناك لمختلف أنواع العجائن التقليدية على غرار “الرشتة” و”الكسكس” و “الشخشوخة” و “التريدة”، وحدثتنا عن الاقبال الكبير للعاصميين على اقتناء هذه العجائن التي توحد موائد كل العاصميين ليلة رأس السنة الأمازيغية، استعدادا لاستقبال السنة الجديدة بالموائد العامرة أملا في سنة عامرة بالخير وواسع الرزق.
يناير للمّ الشمل والاحتفاء بالهوية الجزائرية
من جهتها، تعتبر السيدة ربيعة (50 سنة ربة بيت)، التي التقيناها وهي بصدد اقتناء مسلتزمات الاحتفال لبيتها، بأن البعد الاجتماعي والثقافي للاحتفال هو أكثر ما يهم العائلات من الاحتفال بيناير، مؤكدة حرصها على جمع أفراد عائلتها على طاولة الاحتفال بيناير الذي لا يمكن أن يكتمل حسبها دون تقليد “التراز”، الذي يجمع بين مختلف أنواع المكسرات كرمز من رموز الرضا بتوديع العام القديم والتفاؤل باستقبال العام الجديد.
فيما يؤكد السيد محمد (60 سنة)، بأن احتفال الجزائريين في السنتين الأخيرتين جاء بنكهة مغايرة بعد ترسيم الإحتفالية برأس السنة الأمازيغية، التي يعتبرها محدثنا من صميم الهوية الجزائرية، مؤكدا بأن يناير هو احتفالية لم الشمل باعتباره ملك مشترك لكل الجزائريين.
العائلات القبائلية.. الذبح لإبعاد العين… وتحضير الأكلات لجلب الرزق
تجري التحضيرات لإحياء يناير على قدم وساق بمختلف القرى والمنازل، حيث تستعد النساء والرجال معا للمناسبة أياما قبل حلولها من خلال اقتناء وتوفير كل متطلبات إحياء العادات والطقوس، إذ يعطي السكان أهمية كبيرة لهذا اليوم، فحسب معتقداتهم فإن وفرة الإمكانيات وتنوع الأطباق في تلك الليلة أو قلتها له تأثير كبير على باقي أيام السنة بالنسبة للعائلات، حيث يحرص الكبير والصغير على ألا ينقص شيئا، وتستقبل العائلات القبائلية هذه المناسبة بتقديم “أسفل” الذي يعني نحر الأضاحي والتي تختلف من عائلة لأخرى حسب إمكانيات كل واحدة، حيث تنص عادات بعض قرى منطقة القبائل على ذبح ديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة معا عن كل امرأة حامل من العائلة، في حين نجد أن بعض القرى لا تشترط نوع الأضحية، والمهم حسب المعتقدات السائدة في المجتمع القبائلي هو إسالة الدماء لحماية العائلة من الأمراض وعين الحسود، كما أنها تفتح باب الرزق والسعادة، إضافة إلى أنها تقي أفرادها من المخاطر طيلة أيام السنة، حيث تحرص النساء على تربية الدواجن، الأرانب والديكة والتي يتم ذبحها ليتم تحضيرها كعشاء يناير.
كما لا تقتصر التحضيرات على الأضحية التي يطلق عليها سكان منطقة القبائل اسم “أمنسي نيناير”، فحسب حيث يتم تحضير موازاة مع ذلك مأكولات تقليدية مختلفة ومتنوعة وذلك لما له من تأثير بالغ على العائلة ورزقها طوال أيام السنة الجديدة، حيث أن تنوع أطباق هذه المأكولات يوحي بكثرة الرزق والأرباح وجني محصول وفير، حيث يتصدر هذه الأطباق التقليدية إعداد طبق الكسكسي الذي لا يخلو أي بيت قبائلي منه، والذي يلعب دورا رئيسيا في مائدة يناير مرفوقا بلحم الأضحية والخضر الجافة، كما توضع إلى جانبه المأكولات التقليدية التي تكون أساسا من العجائن كالخفاف أو السفنج، المسمن، ثيغريفين لما لها من معان وتجسيد قوة التمسك بالموروث عن الأجداد.
ويصاحب الاحتفال بيناير إحياء عادات مختلفة خاصة منها عادة حلق شعر المولود الذي يبلغ عمره سنة، وعند حلول الفاتح من شهر يناير، حيث يتم دعوة كل الأقارب والأحباب للم شمل العائلة، وتخصص له أجمل الثياب والتي كانت في القديم حياكة، غير أنه ليس شرطا وحاليا تقتني له عائلته من محلات بيع الملابس، لتقوم المرأة الأكبر سنا وغالبا هي الجدة بوضعه داخل (جفنة) كبيرة لترمي فوقه مزيجا من الحلويات والمكسرات والسكر والبيض، ويتم فيما بعد تقديمه الأطفال وكل من حضر إحياء هذه العادة، وفي المساء يجتمع كل أفراد العائلة والمدعوين على مائدة عشاء يناير لتنال الأطباق المحضرة مع الدعاء بالصحة والخير الوفير في السنة الجديدة، متبوعا بسهرة إلى وقت متأخر من الليل لتناول الحلويات التقليدية المتنوعة، في جو حميمي وبهيج.
الأغواط تحتضن الاحتفالات الرسمية للسنة الأمازيغية الجديدة
اختيرت ولاية الأغواط لاحتضان الاحتفالات الرسمية بالسنة الأمازيغية الجديدة 2969 (أمنزو أن يناير) التي توافق 12 يناير 2019.
وستكون الأغواط وتحسبا لهذا الحدث الوطني على موعد مع عديد الفعاليات واستقبال المشاركين فيها من مختلف الولايات، ويجري التحضير لهذه المناسبة الثقافية الوطنية بالتنسيق مع المحافظة السامية للأمازيغية من خلال تسطير برنامج يعكس الموروث الشعبي والتراثي المحلي والوطني بكافة مكوناته وأبعاده الحضارية العريقة.