تحتفل الجزائر على غرار الأمة الإسلامية، غدا الخميس، بذكرى مولد خير الأنام، والشعب الجزائري معروف عنه تمسكه بإحياء المناسبات والمواسم الدينية من خلال بعض التقاليد التي تفتخر كل جهة من جهات الوطن بها، وتختلف هذه العادات باختلاف مناطق وربوع الوطن.
ولاية الطارف من إشعال الشموع إلى حرب الشوارع مع احتفاظ العصيدة بمكانتها
تبدأ مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في ولاية الطارف قبل شهر من حلوله، حيث تقوم النساء بتزيين المنازل والشرفات بباقات الياسمين، وفي ليلة المولد النبوي الشريف يغادر الرجال منازلهم نحو المساجد للابتهال والاستماع إلى المدائح وحضور حفلات الختان، بينما تلتقي النساء في منزل الجارة الأكبر سنا لاحتساء الشاي الأخضر، وتتباهى كل منهن بحلوياتها.
وفي صباح يوم المولد النبوي، يرافق الأطفال الذين تم ختانهم آباءهم في جولة عبر كافة أزقة الحي ليراهم الجميع، ومن أجمل العادات التي ألفها الطارفيون تسمية جميع المولودين في هذه المناسبة بأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي البيوت تستيقظ الأمهات باكرا لطهي ما يعرف بـ ”العصيدة”، وهي أكلة محضرة من السميد المسقي بالسمن والعسل، ويقول الطارفيون إن هذه الأكلة تحضر منذ أمد العصور بمناسبة أي ميلاد.
وتشهد الأضرحة والزوايا في ولاية الطارف بدورها نشاطا متميزا وملحوظا ومكثفا، حيث يمكن اعتبار هذا اليوم عيدا للزوايا والطوائف الصوفية، ويتكرر ذلك في أغلب نواحي هذه الولاية.
كما تقام أمسيات يدعى لحضورها الأقارب والأصدقاء للاستماع إلى القراء وهم يرتلون آيات القرآن الكريم ترتيلا جماعيا، ويؤدون المدائح النبوية، ثم يتناولون وجبة العشاء التي تضم أطباق الكسكسي التقليدي اللذيذ، وشرب الشاي بالنعناع، ثم الدّعاء لرب المنزل صاحب المأدبة ولسائر المسلمين.
ومن بين تحضيرات الطارفيين لإحياء هذه المناسبة، صرف الملايين لشراء المفرقعات، وتنتشر طاولات بيع المفرقعات والمواد المتفجّرة بالأسواق الشعبية لولاية الطارف، لكن الملاحظ هذه السنة الانخفاض الملحوظ في عددها وكميات السلع المعروضة مقارنة بالسنوات الماضية. وقد اعتاد الطارفيون اللعب ليلة المولد، حيث أصبح ذلك تقليدا يمارسه الشباب والأطفال الطارفيين خاصة في الأحياء الشعبية في ليلة المولد النبوي الشريف وبشكل مثير ومميز، مقلصين من مساحة المظاهر الاحتفالية التقليدية لهذه الليلة، وما كانت تشهده الأجيال السابقة من إشعال للشموع وبخور وأجسام مضيئة بشكل كبير، فاسحين المكان أمام المفرقعات المدوية التي يتلذّذ عشّاقها بتفجيرها في أوقات متأخرة من الليل مسببين، وككل عام، حالات من الهلع وسط السكان في الأحياء والمجمعات السكنية.
الكسكسي و”الرشتة” وشموع بعدد أفراد الأسرة للاحتفال في المدية
يعكف سكان المدية على شراء شموع المولد النبوي الشريف بعدد أفراد الأسرة، ومن ثم يختار كل فرد من أفرادها شمعته ويسمّيها باسمه ويشعلها، والأخير الذي تنطفئ شمعته ـ حسب الأسطورة ـ يعد صاحبها طويل العمر. وفي هذا الصدد تبقى العائلة مستيقظة تنتظر من تنطفئ شمعته آخرا.
وتقوم ربات البيوت في ليلة المولد بتحضير أشهى الأطباق احتفاء بهذه المناسبة، حيث تحضّر النسوة طبق الكسكسي أو الرشتة مع الدجاج ومرق الكوسة والحمص، فهذان الطبقان من ضروريات مائدة المولد النبوي بالنسبة للعائلة (اللمدانية).
وجرت العادة عند العائلات (اللمدانية )، أنه في مثل هذا اليوم، تُخطب الفتيات وتقدم المهيبة للمخطوبات، أو ما يعرف بـ “التيزري”، وهي مناسبة سعيدة يجتمع فيها أفراد العائلتين لتحديد مواعيد الزواج وبعض الشروط لإتمامه.
وتحيي معظم مساجد المدية ليلة المولد النبوي بتلاوة الذكر الحكيم ومدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مشكلين حلقات للذكر، يتدارسون فيها سيرة النبي وخصاله الحميدة التي يحرص الإمام على تلقينها لجموع المصلين. كما يتم خلال هذه الليلة تنظيم المسابقات الدينية وتكريم الفائزين وحفظة القرآن الكريم.
ولا يمكن أن تمر مناسبة المولد النبوي بالمدية دون أن نتحدث عن المفرقعات والألعاب النارية، التي يتم عرضها من قبل الشباب في ساحة جامع النور وطحطوح والرشبة بشتى الأنواع، قبل المولد بأسبوع أو أسبوعين، وبالرغم من ارتفاع أسعارها إلا أن سكان المدية يضطرون إلى شرائها إرضاء لأبنائهم.
المولد النبوي الشريف في الجنوب الجزائري
ختان قبل شروق الشمس وإطلاق اسم “مولود” على المواليد الجدد
تشهد شوارع وادي سوف حركية كبيرة التي يصنعها صبية وهم يجرون فرحا بالمولد متجهين صوب المساجد، بعد أن جمعوا كميات كبيرة من المفرقعات ليتسلوا بها هناك، كما تسمي العائلات اللاتي ترزق بصغير أيام المولد النبوي “المولدي” أو ”ميلود“ أو”مولود” تبركا بهذا اليوم.
ويحتل الجانب الديني حيزا كبيرا من الاحتفالات بحكم أن المناسبة دينية في الأصل، حيث تبدأ أغلبية المساجد، خاصّة المساجد التابعة للطريقة التيجانية في ترديد قصائد البردة والهمزية للشيخ البصيري، مع بداية شهر ربيع الأول إلى غاية ليلة المولد.
أما في صبيحة يوم المولد النبوي الشريف، فتتم قراءة كتاب عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من ولادته المباركة حتى وفاته عليه السلام بأسلوب قصصي مشوق، يمزج بين النثر المسجوع والشعر المقفى الموزون.
وتكثر خلال هذه المناسبة، في منطقة وادي سوف، حفلات ختان الأطفال. وما يميزها في هذه المنطقة أن العائلة تقوم بالإعلان والإشهار للختان من خلال ما يعرف محليا بـ ”الراية” وهي عبارة عن قصبة من الخيزران تعلّق عليها خيوط من الصوف ملونة بالأخضر والأحمر والأبيض، وتصبغ هذه الخيوط بالحناء ثم ترفع فوق مسكن الطفل الذي سيختن. ويتم ختان الأطفال في وادي سوف قبل شروق الشمس، وتقوم النسوة المدعوات إلى بيت الطفل الذي سيختن بكسر عدد لا يستهان به من الأواني الفخارية أثناء عملية الختان، وذلك كي لا تسمع أم المختن صراخ ابنها. كما تحضّر الأسر السوفية في حفلات الختان “الرقاق” إضافة إلى الحلوى والبيض المسلوق، ويتم توزيعها على المدعوين، ويلبس الطفل لباسا خاصا بالختان وتخضب يداه ورجلاه بالحناء، ويزين صدره ببعض الأغراض طردا للحسد والعين، كالسيوف والأيدي الفضية خماسية الأصابع.
جيجل.. حنين لذكريات “الطياخات” القديمة وتمسك بأطباق الغرايف والفتات
تحافظ الأسرة الجيجلية على بعض العادات الموروثة ابتهاجا بمولد المصطفى (ص)، خاصة المتعلقة بالأطباق التقليدية كطبق الفتات والكسكسي إضافة إلى طبق “أغروف” أو “البغرير” والذي يسبق المولد بأيام وهو نفس الشأن كذلك بالنسبة للطمينة، إلا أن الكثير منها أخذ في الاندثار والزوال، خاصة “الطياخات” التقليدية والسهرات الليلية وإشعال الشموع خارج المنازل بصفة جماعية.
وحسب السيد حمروش أمير، أستاذ بثانوية الشقفة، فإن هناك العديد من العادات لم تعد موجودة كالطياخات اليدوية أو التقليدية.
وأضاف قائلا “عندما كنا صغارا كنا نحنّ دائما إلى اقتراب تاريخ المولد النبوي الشريف بحيث تكون الاستعدادات من كل الجوانب، لا سيما صناعة الطياخة، حيث نقوم بالبحث عن بطارية قديمة ونقوم بتذويب الرصاص الموجود بها ثم نفرغه في جوف قصبة أو في حفرة داخل الأرض يكون لها الشكل الأسطواني المجوف، بعدها نقوم بإحداث ثغرة بواسطة مسمار من الحجم الكبير، وبعد الانتهاء تتم عملية ربط المسمار بالمادة الرصاصية لتحصل على ما يسمى بـ ”الطياخة” لنبدأ بعدها في عملية التطياخ بواسطة مادة الكبريت”. وأضاف أن التنافس يكون على أشده ليلة الذكرى بين شباب مختلف المناطق.
لكن المفرقعات التجارية قضت على الطياخة التقليدية التي كانت تلهم الأطفال وحتى الشيوخ، وأصبح التنافس اليوم بهاته المفرقعات من مختلف الأحجام.
من جهته، الشاب عادل أشار إلى أن الحديث عن المولد النبوي الشريف يذكرهم دائما بالحنين إلى زمن الطياخة التقليدية والجروح التي كانت تسببها لهم بسبب الاستعمال المفرط لمادة الكبريت وبطريقة غير شرعية وفوضوية ترتبط بعنفوان الشباب والطفولة، حيث كان الأطفال يتنافسون على من يُسمع أقوى دوي لطياخته ولتلك البقعة الوسطى التي تشوه بها الجدران في كل مكان.
تندوف.. أطفال يحيون المولد النبوي على وقع “زاد النبي وفرحنا بيه”
تطبع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مظاهر متعددة لدى سكان تندوف، حيث تقوم العائلات بتحضير الحناء وتزيين الأيادي والأرجل ليلة المولد، اعتقادا منها بالفأل وبشرى الخير التي تأتي مع مولد خير البرية محمد رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، وتشمل العملية الكبار والصغار. وتُنظم عمليات ختان جماعي للأطفال وذلك قصد ترسيخ مفاهيم الجماعة والإتحاد في نفوس الصغار. ومن جهة أخرى، تقوم العائلات بإعداد طعام الكسكسي والمردود، وهي أكلة شعبية ترتبط بالمولد النبوي الشريف، ويتم توزيعها على المساجد وإطعام عابري السبيل وهو بمثابة صدقة. كما تشهد الساحات العمومية حفلات دينية تنظمها الفرق الإنشادية مرددة عبارات توحي بعظمة الرسول منها “يسعد أمك يا حليمة.. زاد النبي وفرحنا بيه.. سيدي يا مولانا”.
كما تقوم النساء بالغناء الشعبي التقليدي على مستوى الأسر ودق الطبول، فيما تكتفي أسر أخرى بالمدائح الدينية. أما الرجال فتمتلئ بهم المساجد حتى الفجر، وتعكف لجان المساجد على تنظيم مسابقات تجويد القرآن وتنشيط بيوت اللَّه بشدو الحديث وعذوبة السيرة النبوية العطرة تحت شعار “شهر النصرة”، حيث تتواصل الأنشطة الدينية والفقهية شهرا كاملا تتنوع فيه طرق إحيائها من أسرة إلى أخرى، لكن تبقى الحكمة واحدة نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولسكان الأرياف حظهم الأوفر من إحياء المولد النبوي الشريف بطريقتهم الخاصة التي يغلب عليها الطابع الديني كتلاوة القرآن وتحضير الأكلات الشعبية وتوزيعها على البدو الرحل. ومن الملاحظ انعدام المفرقعات النارية من مظاهر الاحتفال بالمولد النبي بتندوف، إذ يقتصر الاحتفال على قراءة القرآن والأناشيد الدينية المعبّرة عن السيرة النبوية الشريفة، بينما يخرج الأطفال عبر شوارع المدينة بلباسهم الأبيض كالملائكة وفي أيديهم الحناء يرددون عبارات “أعطيني عرفة” وتعني الصدقة، سواء من الحلوى أو النقود، وغالبا ما تمتلئ جيوب الكبار بالحلوى استعدادا لطلبات الأطفال وهم يحيون مولد خير البشر بطرقهم الخاصة. ويقوم الأطفال بعد حصولهم على بعض النقود بشراء ألعابهم المفضلة “نفيخات” التي تعطي للمكان جمالا ولونا متميزا بالألوان المختلفة، كما تجوب شوارع المدينة تعبيرا على فرحة المولد النبوي الشريف إضافة إلى أنشطة متنوعة سطرت من طرف الجمعيات والفرق المحلية للاحتفال وسط الأهازيج والسهرات الدينية المشفوعة بتلاوة القرآن الكريم عبر كافة مساجد الولاية.
لمياء. ب