في رحاب السيرة النبوية… من وحي الهجرة

في رحاب السيرة النبوية… من وحي الهجرة

– تأملتُ سيرة الأنبياء، وحياة المرسلين؛ فرأيت سمةً بارزةً، وعلامةً فارقةً في مسيرتهم الدعوية، وكفاحهم التربويِّ، تمثَّلت في فراق الديار، ومغادرة الأوطان؛ طلبًا للأمن والاستقرار، ورغبةً في حرية التوجيه والتبليغ؛ قال ورقةُ بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم: “يا ليتني أكون حيًّا حين يُخرجك قومُك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أوَ مخرجيَّ هم؟!”، قال: نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثل ما جئت به قط إلا عُودِيَ، وإن يدركْني يومُك أنصُرْك نصرًا مؤزرًا”.

– الألطاف الإلهية، والمنح الربانية للمهاجرين في سبيل الحق والكرامة بالخير والسَّعة، والفرَج والمخرَج، والأجرِ والثواب ” وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ” النساء: 100.

– النصوص النبوية وسَّعت وعمَّمت مفهومَ الهجرة؛ ليشمل جميع جوانب الذات، وكافة مجالات الحياة؛ لتعطي للأفراد والمجتمعات المساحةَ الحرة والمجال الأرحب للتحوُّل والتغيُّر نحو الأفضل والأحسن، والأجمل والأكمل: “المهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه”.

– أشارت النصوص القرآنية لمفهوم الهجرة ومصطلح الفرار، وأنها عامةٌ لجميع البلدان وكافة الأراضي بلا تحديد ولا تقييد ” أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ” النساء: 97، وهو الأوفق للهَدْي النبوي حينما حثَّ أصحابه للهجرة إلى الحبشة مع أنها ديار النصارى، كما أنه الأرفق بحال المسلم والمؤمن في كافة الأزمنة والعصور، الذي قد لا يجد المأوى الآمن والمقرَّ الساكن إلا في ديار الشرك ومواطن الكفر.