قبل أن تحاسبوا

قبل أن تحاسبوا

لا بد من أن يحاسب الإنسان نفسَه على أقواله وأفعاله في سفره وحضره، يحاسبها على العمل، سواء كان الأمر يتعلَّق بالدين أو الدنيا، أو كان يتعلَّق به في خاصته أو يتعلَّق بغيره من إخوانه، فإن ذلك هو أسلم الطرق للنجاة من النار، ومن شدَّة المحاسبة في الآخرة. وعرَّفها الإمام الماوردي، فقال: المحاسبة أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعاله نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه، وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وإن لم يمكن فيتبعها بالحسنات لتكفيرها، وينتهي عن مثلها في المستقبل. والمحاسبة تنطلق من الإيمان باليوم الآخر، وأن الله يحاسب فيه الخلائق، وقد حذَّرنا الله من ذلك اليوم؛ فقال سبحانه وتعالى: ” وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ” البقرة: 281. وكان سلف هذه الأمة تواترت أقوالهم على الحث على محاسبة العبد نفسه، والوقوف بها عند الخطرات وغيرها؛ عن وهب بن منبه: قال مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألَّا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسَه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذَّاتها، فيما يحل ويحمد في هذه الساعة؛ عونًا على تلك الساعات وإجمامًا للقلوب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر ” يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ” الحاقة: 18. والمحاسبة لا نجاة إلا بها قال تعالى ” يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” المجادلة: 6، وقوله تعالى: ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ” آل عمران: 30.

موقع إسلام أون لاين