قصبة الجزائر.. عمارة عثمانية قاومت الاستعمار وحضنت الثورة 

قصبة الجزائر.. عمارة عثمانية قاومت الاستعمار وحضنت الثورة 

ارتبطت “معركة الجزائر” بأسماء مناطق دون غيرها، وبقي تاريخها محفورا في الذاكرة، خصوصا بعد تجسيدها في عمل سينمائي يصوّر جزءا من فصولها.

وظلت بعض مشاهد الفيلم عالقة في ذاكرة الجزائريين، خصوصا واقعة إقدام المستعمر على نسف المنزل، الذي كان يأوي “علي لابوانت” و”حسيبة بن بوعلي” بحي القصبة التاريخي العريق.

 

رمز يروي تاريخ بني مزغنة

ما زالت القصبة شامخة رغم الصراع الذي تخوضه يوميا، كرمز يروي تاريخ وحضارة بني مزغنة، باعتبارها تشكل مرجعا للماضي ونافذة على المستقبل، وها هي اليوم بفضل الإرادة القوية والجهود الكثيفة تستعيد تدريجيا رونقها من خلال عمليات الترميم التي استهدفت قصورها ولاتزال متواصلة بديارها الأسطورية.

 

من البحر إلى الربوة..

القصبة أو القلعة، مدينة محصنة تمتد من البحر إلى ربوة يزيد ارتفاعها عن 100متر، كانت ولاتزال تحفة معمارية، فبقايا معالمها التاريخية شاهدة على عظمة ورونق هذه المدينة الساحرة، وأبسط دليل على ذلك، تلك القصور والديار التي ظلت إلى يومنا هذا بالرغم من عملية التهديم والتخريب التي طالتها إبان فترة الاحتلال الفرنسي، كما شهد عدد كبير منها عملية تهديم كلي بغية إنشاء الطرقات والشوارع الرئيسية المعروفة حاليا بشارع باب عزون، باب الوادي، شارع النصر، علي عمار.. وغيرها، حيث لم يبق من المعالم الدينية التي تأسست على يد “بلكين بن زيري” سوى الجامع الكبير وجامع سيدي رمضان.

أما بقايا الفترة العثمانية فهي كثيرة رغم ما تبدو عليه الهياكل المعمارية من بساطة إلا أنها تتضمن الكثير من الروعة انطلاقا من البوابة والسقيفة، وسط الدار، الغرف وصولا الى المنزه والسطيح.

 

ترميم بنسبة 65 بالمائة على مستوى سبعة قصور ومعالم تاريخية

تعرف عمليات الترميم وإعادة التأهيل التي تجري حاليا على مستوى 7 مشاريع متمثلة في قصور ومعالم ومباني ومعاقل تاريخية تقع في نطاق القطاع المحفوظ لقصبة الجزائر، نسبة تقدم أشغال تقدر بـ 65 بالمائة، وذلك لإعادة الاعتبار لهذا المعلم التاريخي المصنف ضمن قائمة التراث العالمي، حسب ما أفادت به مسؤولة ملف ترميم القصبة بمديرية التجهيزات العمومية لولاية الجزائر.

وأوضحت المهندسة المعمارية العربي فاطمة أن نسبة تقدم أشغال تأهيل وترميم تخص 7 مشاريع في إطار المرحلة الأولى من العمليات الموكلة للمديرية، بعد تحويل ملف ترميم القصبة لمصالح ولاية الجزائر، قد بلغت 65 بالمائة وتضم القائمة مواقع كل من قصر الداي، قصر البايات ودار البارود على مستوى قلعة الجزائر وكذا قصر دار حسن باشا، جامع البراني ومنزلين محاذيين إلى جانب مباني تاريخية تقع بـ 7 شارع الإخوة سليماني وتدخلات استعجالية لوقف حالة التدهور والانهيار.

وأفادت أن ولاية الجزائر ممثلة بمديرية التجهيزات العمومية تشرف على عملية ترميم القصبة التي صنفت ضمن التراث العالمي سنة 1992، وهذا بناء على قرار تحويل ملف القصبة من وصاية وزارة الثقافة إلى مصالح ولاية الجزائر في شهر ديسمبر 2016، كما تم من جهة أخرى تكليف مؤسسات أخرى للتدخل وترميم متجزئات أخرى في نسيج القصبة العمراني.

وأشارت السيدة العربي إلى أنه على مستوى موقع قلعة الجزائر بالقصبة العليا تعرف ملاحقها الثلاث تقدما، حيث بلغت الأشغال بقصر البايات 47 %، بقصر الداي 65 %، في حين بلغت 98 % بدار البارود التي ستكون جاهزة لافتتاحها في غضون الأيام القادمة، كما بلغت %50 بمسجد جامع البراني والدويرات المحاذية، و65 % بدار حسن باشا و75 % بالبنايات التاريخية بشارع الإخوة سليماني و30 % على مستوى مواقع التدخل الاستعجالية تمثل 22 دويرات ومباني ذات طراز كولونيالي.

من جهة أخرى، أفادت المهندسة، أنه تم انتهاء الأشغال على مستوى 4 مشاريع ترميم بنسبة 100 % مدرجة ضمن برنامج المرحلة الأولى بحي القصبة، ويتعلق الأمر بالمسجد الجديد للداي (قلعة الجزائر)، تهيئة ثلاثة قنوات كبرى لصرف المياه المستعملة (شارع لالير، ديفان، وريدة مداد)، ردم الكوابل الكهربائية ذات الضغط المنخفض، ودار عائلة بوحيرد ودويرات محاذية للموقع وقد تم استلامها على مراحل منذ 2018 إلى غاية أكتوبر 2021.

وأشارت نفس المتحدثة إلى أن الغلاف المالي الإجمالي الخاص بتنفيذ عمليتي أشغال الترميم الموكلة لمصالح مديرية التجهيزات العمومية التي تخص 11 مشروعا كمرحلة أولى و33 تجزئة كمرحلة ثانية، يقدر بـ 23 مليار دينار جزائري.

 

الانتهاء بنسبة 88 بالمائة من إعداد دراسات ترميم 33 معلما تاريخيا ودينيا بالقصبة وإطلاقها قريبا

من جهة أخرى، ذكرت المهندسة أن إعداد الدراسات الخاصة بالمرحلة الثانية من عمليات الترميم التي تخص (25 مشروعا) قد بلغت نسبة 88 % موزعة عبر 33 بنايات تضم مواقع تاريخية ومعالم دينية داخل النسيج العمراني للقصبة، وذلك للشروع قريبا في تحضير دفاتر الشروط وإطلاق مناقصات عمومية أمام مكاتب الدراسات.

وأضافت أن العمليات ستشمل ترميم وإعادة تأهيل 5 مساجد وهي جامع سفير، جامع سيدي عبد الله، جامع سيدي بن علي، جامع بن فارس، جامع سيدي امحمد شريف إلى جانب سبعة 07 بنايات تاريخية بارزة على غرار قصر دار الصوف، دار الصداقة، قصر خداوج العمياء وحمام سيدنا، قصر أحمد باشا، وترميم المقر السابق لدائرة باب الوادي وقصر دار الحمراء، فضلا على 16 مبانٍ سكنية ما يمثل 138 دويرات وسكنات ذات طابع كولونيالي، دون تحديد آجال الشروع فيها وآجال انجازها.

وأردفت أن عمليات الترميم الجارية عرفت بعض الصعوبات الميدانية نظرا لهشاشة البنايات وتآكلها وارتباطها ببنايات (دويرات) أخرى مهترئة مهددة بالانهيارات، تستدعي تكثيف إجراءات تدعيم الأسس والجدران، ما يتطلب فترة إضافية لاستكمال الترميم.

كما يواجه القائمون على عمليات الترميم صعوبات في التدخل في بعض المواقع بسبب الاستيلاء عليها من طرف الغرباء عن الحي، إثر عدم تواجد الملاك الأصليين للدويرات وكذا نقص اليد العاملة المؤهلة المختصة في مختلف المهن والحرف نظرا للخصوصيات العمرانية لبنايات القصبة، تبرز ذات المصدر.

وأضافت أنه يتم خلال عمليات الترميم هذه، اكتشاف العديد من الأثريات التي يتم التعامل معها بحذر من أجل ترميمها والحفاظ عليها.

 

عدد المساجد المتبقية يعد على الأصابع

كانت القصبة تضم 13 جامعا و109 مساجد و32 ضريحا و12 زاوية، أي ما مجموعه 166 معلما دينيا عشية الاحتلال الفرنسي، وأغلبية هذه المعالم هدمت أو اندثرت في الفترة الاستعمارية، كمسجد السيدة، مسجد سيدي ربي، ومسجد والحفاظ الكبير… وفي سنة 1862 لم يبق إلا 9 جوامع و19 مسجدا و15 ضريحا و5 زوايا.

ولعل أعرق هذه المساجد مسجد البراني بجوار دار السلطان، غير أنه لم يسلم هو الآخر من همجية المستعمر، بحيث حول إلى ثكنة ثم كنيسة، وبعد الاستقلال استرجع مكانته الأصلية.

أما مسجد كتشاوة الذي لايزال صامدا ومحافظا على أهم مميزاته فقد كان موجودا منذ القرن 14م، غير أنه شهد عملية توسيع سنة 1794 بأمر من حسين باشا ليصبح بذلك تحفة معمارية، لكنه تحول الى كنيسة هو الآخر ولم يسترجع مكانته إلا بعد الاستقلال.

أما بالنسبة لجامع سفير فقد بني سنة 1534 مثلما تؤكد الكتابة المدونة على بابه الرئيسي، ويعود الفضل في بنائه لسفر بن عبد الله، وكان مسيحيا قبل اعتناقه للدين الإسلامي.

وقد قام حسين باشا بإعادة بناء هذا الجامع وتوسيعه سنة 1826.

الجامع الأعظم، ويعتبر من أقدم وأكبر المساجد، حيث يعود تاريخ بنائه إلى فترة المرابطين في القرن الحادي عشر تحت حكم يوسف بن تاشفين. وخلال العهد الزياني أنشئت منارة المسجد وقد تم تصنيفه ضمن الموروث الثقافي، كما تفتخر القصبة بالمساجد المتبقية بها حتى وإن تقلص عددها، فمسجد علي بتشين لايزال صامدا هو الآخر وعملية الترميم متواصلة به إلى يومنا هذا.

وجامع سيدي محمد شريف المتواجد بالقرب من مسجد سفير مازال هو الآخر صامدا ويضم ضريح سيدي محمد شريف. أما بالنسبة للعيون والحمامات فلم يبق منها إلا عين لمزوقة، عين بئر شبانة، عين البحرية وعين بئر جباح.

في حين بلغ عدد الحمامات المتبقية تسعة فقط، وهي في حالة متدهورة وبحاجة إلى عملية ترميم لإنقاذها كحمام سيدنا، حمام الفويطة، حمام سيدي بوقدور، حمام الحجاج أو شباشق، حمام الترك إضافة الى حمام الباي وحمام المالح، وانطلاقا من كل هذه المعالم تشكل القصبة موروثا ثقافيا وحضاريا يجب المحافظة عليه وحمايته، كما تشهد أغلبية الدويرات عمليات ترميم بفضل المخططات الاستعجالية التي قامت بها مديرية الثقافة لولاية الجزائر، حيث انطلقت أشغال الترميم بـ 358 بناية، لكن الأهم من ذلك هو اتخاذ قرارات حازمة ومراقبة صارمة لكي لا تستغل هذه الدويرات بعد أن يتم ترحيل سكانها الأصليين، والملاحظ أن سكان هذه المنازل الأسطورية ساهموا بشكل كبير في تهديمها حسب تصريحات بعض المواطنين، حيث أصبحت القصبة في السنوات الأخيرة مركز عبور ضخم، كما احتلت العائلات منذ مطلع 1990 أكثر من 400 دويرة تم ترحيل سكانها الأصليين بداية الثمانينيات.

ل. ب