قصة قصيرة.. زواج في نيبور

قصة قصيرة.. زواج في نيبور

دخلت العراق… ليلا حملتني أقدامي في العام 1889

وصلت.. حيث أول مكتبة في التاريخ

لامست فوق الرفوف.. أول حرف مسماري..

كتب على الطين وهو عجين..

كنت شابا يافعا يشرب جسدي من فرات الشرفاء..

دخلت الزقورة.. وسألت عن – آ ي كور-

قال الرجل الذي كان.. يحرس المدينة:

إذا نمت فيها الليلة، ستكلمك المدينة عن تاريخها.. وضع الحارس عشائي فوق طاولة آشورية وغادر المكان

بقيت وحيدا في الغرفة، كنت أجلس على الكتف الأيمن من شط الفرات

قبل أن يتحول عنها النهر إلى نيبور..

كنت أجلس وحدي.. رفقة الديجور،

كنت أجلس قرب.. الظلام المنثور

هناك.. كانت تنتظرني أحلى حكاية

نمت فوق تلك الحجارة وبالليل.. جاءت البشارة.

وقف عند سريري.. رجل، يدعى حمورابي..

كان يقف خلفه حارسه الشخصي..

قال لي بالحرف.. المسماري الواحد:

– سيأتي غريب..إلى نيبور،

ويعرف السر المغمور..

اخترناك الليلة الملك المنتظر للمنافي.. للمبعدين.

زيارتك للمدينة شرف لكل الآلهة.

قلت له: – أنا رجل عليل..

وهنا المريض يطيب..

جئت عفج، جنة قرنفل..

سألني الرجل هل تعشيت؟

قلت: – أكلنا بالديوانية من كرم وأصالة ونخوة وشهامة، الرجال.

تفرق السكان وانتثروا.. إلى القرى المجاورة.. طلبا للرزق. وبقيت أنت- نيبور- وحيدة..غريبة

دخل الإله أنليل.. فجأة،

سيد الهواء والأجواء، وفجأة.. أحدث الطوفان

زوجته – نينليل- كانت برفقته..

نظرت إلي وقالت

– إلهي…هذا الفتى رائع الملامح دعه يقيم معنا.

ونرى ما تحمله تلك البشارة.

قال أنليل: الإله..آنو وارد ذكره في النبوءة السومرية

حين تسلم إلهنا..عرش بابل..ترك وصية يتحدث فيها عن زائر يدخل نيبور.. ليلا وتضاء فوق رأسه النجوم،

لعله من سلالة – أيسن- تلك التي

قامت فيها – إيشان- أو لعله

من قوم – إيشبي أيرا- ذلك الرجل الذي

احتل أور.. وضمها إلى مملكته،

لعله من سلالة –  أرسا- أو..

من أبناء  – نابلانوم –

انظري إنه الملك..

دخل – ريم سين – انحنى له الجميع وقالوا:

– لك الطاعة والولاء مولاي-

يا مبعوث السماء،

قضى مولانا على سلالة -ايسن- لم نكن نتوقع أبدا أن تعود من كل تلك العهود.

قال حمورابي:

– قضينا على والدك ظلما وزورا..

في سنة مولدك.. التاسعة..

وسرقت سلالتك إلى بابل

سامحني.. ولدي كنت شابا.. لا أعرف تلك البشارة.. سامحني مولاي،

سيتم الآن تنصيبك ملكا.

وستقدم لعرشك كل القرابين..

ثم جيء بفتاة بابلية تشبه بلقيس،

كنت أعرف تلك الفتاة،

وكانت لا عهد لها بي..

نظرت الفتاة المكبلة الأقدام،

وقالت:- مولاي أنا من الزمن البابلي القديم، سلالة- أيسن- ولارسا وأشنونا الأوائل

رفقا بالقوارير..

خرج الملك والحاشية.. وتمت جميع الطقوس، تلك الليلة، في المعبد الشهير،

على يد رجال الدين..

نسل إلينا القوم من كل مكان.

ثم طلب الجميع مني، أن أبارك سفير مدينة أيسن،

وهي من المدن العراقية الموغلة في القدم،

قلت: – ولم أباركه.. هذا السفير؟

قال الجميع: هو من أم أجنبية مولانا

اخترناه لنرد للمدينة أهميتها الدينية،

كنت أنظر إلى عظمة نيبور..

كانت نيبور مدينة عظيمة وكبيرة تحتوي على معابد تضم مقابر، قصور وشوارع معبدة بالحجارة.. ومرصوفة بالقار، كلها.. رائعة.

كان – يومها- الملك يشيد مكتبة وصيدلية.. وملعبا لكرة القدم،

عثرت، بالصدفة، على أحجار تضم كتابات ونقوش في الزقورة.. تلك المدينة كنت أعشقها كثيرا.. يعجبني بها.. معبد – ايكو- على شكل برج متدرج الصعود، يذكرني دائما بأحلى الذكريات.. ذكريات توجت فيها.. ملكا وأخبروني.. أن الملك – اورنمو- حاكم مدينة – اور- هو الذي شيد هذه الزقورة..

ورممها وجددها.. تماثيل الملك شولكي السبعة وجدتها ليلتها، في الصناديق، كانت كلها من الآجر، وجدت صندوقين، تحت أبراج مداخل ساحة المعبد..

يتضمنان تمثالين من البرونز، للملك اورنمو،

وجدنا فيها التاريخ السومري.

عثرت عليه في خرائب مدينة نيبور،

دونت هذه الوثيقة على رقيم من الطين

يتكون من سطور كثيرة،

بالخط المسماري باللغة السومرية.

قالت لي نيبور: أنت لا تعرفني أيها الزائر البهي..أنا أنافس مدنا.. مثل بابل وآشور.

كنت أنتظر أن تعود نين ليل زوجة الملك

ولما أحست بانتظاري، عادت ليلا تزورني جلست على مقربة مني وقالت:

أنا لم أرد أن أخبر زوجي، عنك.. ألا تذكرني؟

قلت:- مولاتي لا أذكر شيئا..

قالت اسمك مكتوب في حجارة الرقيم

سيتم على يدك قتله الليلة

في نبوءة قبيلتي

تبشر المرأة المقتول.. قبل موته بسنين

قلت ما الحل؟

قالت: بسيطة نكسر المكتوب.. ولا نقتل أحدا

قلت:- وكيف ذلك؟

الإله دموزي يعشقني…جدا

الإلهة إنانا ينتهي إلى زواج سعيد

ولكن السعادة لا تدوم

أنت ستقبض على دوموزي

وتقوده إلى العالم الأسفل،

حيث يلبث هناك،

إلى أن يتم تحريرُه

وبعثُه إلى الحياة وإلى أحضاني

من جديد.

فأنت مجدِّد هذه الطاقة أخشى من العودة متأخرة إلى البيت،

وكيف سأخلق الأعذار لأمِّي

يعيق لقاؤك

عودتي في الوقت المطلوب،

من أجل استكمال مشهد الحبِّ الإلهي

الذي ترسمه الأسطورة

كنموذج لكلِّ حبٍّ أرضي

سوف آتيك بالكتان من الحقل..سوف تمشط شعري..هل ستأتينني به ممشوطا؟

سآتي به مغزولا..سوف أجدل خيوطه..من سيجعله لي مجدولا؟

ثم الزواج بسرعة ..وتحققت النبوءة

دون إراقة دماء

خرجت من نيبور

وأنا أمتلك مفاتيح السماء

 

 

بقلم: الصيد حفناوي