ذكر الله تعالى قوم سبأ في سورة سُميت باسمهم، فذكرها عقب الحديث عن نبيه سليمان؛ لما بين قوم سبأ وسليمان من الارتباط في عهد ملكة سبأ. وقد ذكر سبحانه هذه الآيات في سورة مكية تحاجج قريشًا المشركين الذين أنعم الله عليهم بجوار البيت الحرام الذي كثر فيه رزقهم واتسع بسببه أمنُهم، وأنعم الله عليهم بالنعمة الكبرى ألا وهي بعثُ نبي آخر الزمان منهم، قال تعالى: ” لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ” قريش: 1 ” إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ” قريش: 2. ” فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ” قريش: 3. ” الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ” قريش: 4. ولكنهم استمروا على شركهم وعنادهم لرسوله عليه الصلاة والسلام، فذكَّرهم الله بقصة سبأ حتى يعلموا أن النعم إذا لم تشكر فإن مصيرها الزوال، ومآل أهلها الكافرين الهلاك. ففي هذه الآيات الكريمات يصف الله تعالى حال هؤلاء القوم الذين رغد عيشهم، وحسنت أحوالهم، وعظم أمنهم، غير أنهم لم يستجيبوا لدعوة الأنبياء، ولم يشكروا الله على هذه النعماء. فأمهلهم حتى انتهت المهلة فنزلت العقوبة عليهم وعلى نعمتهم فاجتاحت تلك المزارع، وأجدبت الأرض وساء الهواء، فلم يستطع جمعهم البقاء في تلك المجاعة والظروف السيئة. فتفرقوا بعد اجتماعهم وقوتهم إلى جماعات جماعات، كل منها اتجه إلى مكان داخل اليمن وخارجها، حتى وصل بعضهم إلى الشام، وبقوا هناك، ولازال لبعضهم في الشام والعراق نسل إلى اليوم. يقول تعالى: ” لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ” سبأ: 15. لقد كان لقوم سبأ في مأرب برهان يدل على قدرة الله تعالى في الخلق والرزق، وكانت تلك البلاد طيبة التربة صالحة لإنبات تلك الفواكه والخضروات أحسن ما يكون الإنبات، كما كانت طيبة الهواء، فياضة الماء، مما يساعد على نماء تلك النعمة، وعلى حسن مقامهم في تلك البلاد. فهي بلاد صالحة للسكن والزراعة؛ إذ ليس فيها آفات تؤذي الساكن، ولا آفات تعدم الزراعة أو تنقصها. فأذهب عز وجل تلك النعمة، حيث أرسل عليهم السيل الشديد الآتي من الأمطار الغزيرة ومن خراب سد مأرب، فخربت مزارعهم وبساتينهم، وانقطع عنهم الماء بعد ذلك، فصاروا بلا مزارع ولا ماء، ولا طيب هواء. وما حصل هذا التبديل إلا بسبب كفرهم لربهم وعدم شكرهم له سبحانه.