- عائلة المعاق في مواجهة مجتمع لا يرحم
تحصي الجزائر، وفقا لآخر إحصائيات الديوان الوطني للإحصاء، قرابة مليوني معاق يتوزعون بين 44 بالمائة معاق حركيا و0.4 بالمائة من فئة الصم البكم، و24 بالمائة من المكفوفين، ويوجد من بين المعاقين في الجزائر أكثر
من 130 ألف طفل معاق لم يتجاوزوا سن الخامسة، وقرابة 320 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 5 و19 سنة، في حين تحصي ذات المصالح نحو مليون ونصف معاق من الذين يبلغون 20 سنة وما فوق.
وتتنوع أسباب الإعاقة في الجزائر بين العامل الوراثي الذي يقدر بنسبة 28.5 بالمائة، و 16.7 بالمائة بسبب الحوادث، و14.2 ناتجة عن التعقيدات من الأمراض المزمنة، و12.5 بالمائة عن الشيخوخة، و7.9 بالمائة جراء العنف البسيكولوجي،
و2 بالمائة عن تعقيدات الولادة، وأعلنت الوزارة أيضا أن نسبة 37 بالمائة أي أكثر من ثلث الأشخاص المعاقين تم التصريح بإعاقاتهم منذ الولادة وسن الخامسة من أعمارهم.
تحيي الجزائر اليوم وعلى غرار دول العالم اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وهي المناسبة التي يكثر الحديث فيها عن هذه الفئة التي تبرز معاناتها المزدوجة منذ الولادة، حيث تعاني من التهميش وعدم الرعاية ما يتسبب في مضاعفات نفسية وصحية وخيمة، لاسيما وأن نظرة المجتمع إلى المعاق تختلف من أسرة إلى أخرى، حيث أننا نجد بعض الأسر التي تنجب طفلا معاقا تتعامل معه بطريقة غير سليمة تمنعها في ذلك الظروف الإجتماعية أو النفسية أو المادية من تقبل الواقع والتكيف مع حالة الإعاقة عند الطفل.
ولادة طفل “مونغوليان”… بين الصدمة والتغيير الجذري في النمط الحياتي للعائلة
لأنه من أصعب المراحل لدى العائلات، هو استقبال طفل ذي احتياجات خاصة، حيث أن هذا “الحدث” يغير كثيرا من النمط الحياتي لتلك العائلة، على اعتبار أنها لم تعد عادية، وأصبحت مكلفة برعاية حالة خاصة، تتطلب إعدادات وبرامج مخالفة للعادة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تواجه هذه العائلة مجتمعا ينظر نظرة سلبية إلى الشخص المعاق، ما يعرقل نموه وكذا اندماجه في المجتمع بشكل عادي، فيصعب على الوالدين تقبله، خاصة إذا كانا متزوجين حديثا، أي أن هذا المولود هو بمثابة أول مولود لهما، مثلما هو حال السيدة صفية (30 سنة) التي التقيناها بمستشفى الرويبة، أين كانت بصدد انتظار دورها لإجراء الفحص الدوري لابنتها ذات العشرة أشهر، “صفية” كانت تحمل ابنتها، وبينما نحن ننظر إلى تلك البريئة وهي تضحك مع والدتها، لاحظنا أن الطفلة كانت “منغولية “، أخبرتنا أمها أنها متزوجة منذ سنتين، وأن ابنتها “كاميليا” هي أول مولودة لها، مضيفة بحرقة غلبت عليها مشاعر الأمومة الجياشة “لا يوجد أصعب ما في الدنيا، من أن تحمل الأم طفلها لتسعة أشهر، لتفاجأ بعد ولادته بأنه ليس طفلا عاديا، وحتى وإن عرفت قبل ولادته فما عساها تفعل، إنها فلذة كبدها لا يمكنها التخلي عنها، لذا فإنها ستواجه الدنيا وما فيها، بل سوف يغير هذا الحدث من نظرتها إلى الحياة، وسوف تضع حياتها جانبا، وتنسى حقوقها، موجهة كل اهتماماتها وأسباب عيشها لطفلها الذي هو بأمس الحاجة إليها، سوف لن تراه كما يراه الناس والمجتمع ككل، بل سوف تراه أجمل ما يكون، لن تحس بهذا الإحساس سوى الأم… وليس أبدا كما يعتقد الناس أنها تخجل به، ولكنها تبكي عليه حرقة، لأنها تفكر للبعيد، كيف يستطيع هذا الطفل الذي يحتاج إلى عناية مدى حياته العيش في مجتمع لا يرحم العاقل، فما بالك بناقص العقل…”، وعن مدى تقبل باقي أفراد عائلتها لهذه الطفل، قالت السيدة “صفية” إن زوجها الذي هو والد كاميليا، صعب عليه كثيرا تقبلها، كونها الطفلة الأولى التي يرزق بها، وكانت هذه المرحلة بالنسبة له أصعب مما أحسّت به هي، وقد استغرق وقتا طويلا إلى أن رضي بالقدر الذي كتب علينا، لأن شعور الأمومة يمكنه أن يمحو تلك الحرقة في قلب الأم، يكفي أنها حملته مدة تسعة أشهر وتخبط في رحمها، فهذا يشعرها بالفخر، ولكن يصعب على الأب تقديم طفل إلى المجتمع يكون بمواصفات ناقصة، فنظرة الشفقة تلك تهز كيانه، ناهيك عن تفكيره المستمر والدائم في مستقبل هذا الطفل، هذا المستقبل الذي يجب أن يضمنه الوالد لابنه.
كثيرات هن الأمهات اللواتي لم يستطعن تقبل واقع استقبال طفل معاق، ومن بين هؤلاء كانت السيدة “خديجة” التي أخبرتنا شقيقتها “زينب” أنها تعرضت لانهيار عصبي أدخلها مستشفى الأمراض العصبية لمدة ثلاث سنوات، بعد ولادة ابنتها “ليندة”، التي تبلغ حاليا سن الثامنة عشر. كانت “ليندة” مصابة بتخلف ذهني، اكتشفه الأطباء أشهرا بعد ولادتها، ولأن أمها كانت عاملة في مركز مرموق، جعلها ذلك تصاب بصدمة نفسية، وحسب ما أخبرتنا به “زينب”، فإن شقيقتها لم تكن تتخيل يوما بأنها سوف ترزق بطفل مصاب بنقص عقلي، إذ أن حدوث ذلك معها غيّر نمط حياتها جذريا، وغيّر كذلك نظرتها إلى الحياة بعد شفائها ومغادرتها المستشفى، وأضافت “زينب” قائلة إن “ليندة” استطاعت أن تقلب حياة والدتها رأسا على عقب،
واليوم تمثل كل شيء جميل في منزلها، إذ أن غيابها عنه شيء يسجله كل زائر إليهم، بحكم أنها محبوبة جدا من كل أهلها وجيرانها.
السيدة “أنيسة” هي كذلك أم لطفل متخلف ذهنيا لم يولد كذلك لكنه أصيب بهذا التخلف بعد مرضه بالحمى وهو يبلغ الستة أشهر، تقول السيدة “أنيسة” عن تجربتها: “تزوجت في سن متأخرة، ثم تأخرت في الإنجاب وكل هذا جعلني عرضة للكثير من التعليقات، وبعد إنجابي لطفلي الأول، فرحت كثيرا، لكني صدمت بعد مرضه وإصابته بالإعاقة الذهنية وعادت التعليقات تصلني لكن هذه المرة لم أهتم بها وصار كل ما يهمني كيف أهتم بابني وأجعله يندمج، لكن أصعب ما أواجهه هو إصابة ابني بالصرع ولهذا لم أستطع تسجيله في أي مركز”، كما أكدت أنها لا تستطيع ترك ابنها مع أي كان لأنها تخشى أن يعنفه أحد أو يضربه، وفي هذا الصدد تؤكد أنه لا أحد يهتم بالطفل المتخلف مثل أمه.
منحة ضئيلة مقابل احتياجات كثيرة: المعاق يجد في التسول طريقة لرفع مدخوله
يجد المعاق الجزائري نفسه مضطرا للاختيار بين تقاضي المنحة الشهرية التي يكفلها له القانون الجزائري ولا تتعدى ( 4000 دج) شهريا مع الاستفادة من خدمات عينية تسمح له بالانتفاع من الخدمات الاجتماعية القاعدية منها التكفل باشتراكات الضمان الإجتماعي من أجل التكفل الجزئي أو الكلي بمصاريف النقل الحضري خاصة البري منه، وبين ممارسة أي عمل أو نشاط ، حيث أن قيامه بهذا يحرمه من المنحة التي تعتبر غير كافية لتغطية حتى ثمن الأدوية التي يحتاجها، لاسيما وأن هذه المنحة لا تعمّم على جميع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أي على حسب درجة الإعاقة، ما جعل الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يلجأون إلى التسول ومدّ أيديهم، والوقوف على واقع هذه الشريحة لم يتطلب منا جهدا كبيرا، فشوارع العاصمة مليئة بالعينات والنماذج التي تصب في سياق موضوعنا، وخلال جولتها عبر شوارع العاصمة، وقفنا عند شاب يُعاني من إعاقة بصرية بنسبة 100 بالمائة، قال إنه يقف يوميا أمام مدخل نفق محطة “بلكور” الذي يمر عبره العشرات يوميا من أجل الحصول على دنانير قليلة لإعالة نفسه وأسرته، مضيفا أن المنحة لا تكفيه وهو مضطر للقيام بهذا طالما أن المنحة لا تكفيه وهو لا يستطيع العمل، تركنا هذا الشاب يسترزق على طريقته، لنواصل سيرنا وغير بعيد عنه وجدنا السيدة “جميلة” جالسة رفقة أولادها الأربعة والتي يُعاني ثلاثة منهم من إعاقات مختلفة، أول ما لاحظناه هو تعمد هذه السيدة إظهار الحفاظة التي يضعها ابنها البكر الذي لا يتعدى سنه 16 سنة، تخوفنا من الحديث إليها في بادئ الأمر، لكننا كسبنا ثقتها بعد إظهار التعاطف معها وطبعا مع إخفاء الهوية المهنية، قالت إنها تمتهن مهنة التسول منذ مدة طويلة في عدد من أحياء وشوارع العاصمة، واستقرت مؤخرا في ممر الراجلين بساحة أول ماي بالعاصمة دائما، وعندما سألناها إن كانت تتلقى مساعدات مالية من الجمعيات الناشطة، أنكرت ذلك وقالت إنها لم توفر لها أية مساعدة اجتماعية واقتصادية عكس ما هو شائع، إضافة إلى أنها تكسب – حسب قولها – ما لن توفره لها لا الجمعيات ولا غيرها، وتقول هذه السيدة بأنها تتمركز منذ الساعات الأولى صباحا إلى غاية بعد المغرب من أجل التمكن من جمع أكبر عدد من إحسانات المواطنين، وتقول المتسولة بأن نظرة الشفقة والاستعطاف التي يرمق بها العديد من المواطنين أبناءها تدفعهم إلى تقديم لها مساعدات مادية تكون إما بمنحها مبالغ مالية أو اقتناء لها بعض المواد الغذائية كالخبر والحليب، وتضيف السيدة “جميلة” بأن ”هناك العديد من المواطنين الذين يوجهون إليّ نظرات احتقار، الأمر الذي يثير بداخلي حزنا، فهناك العديد من المواطنين لا يقدرون الظروف التي نعيشها في ظل التهاب أسعار مختلف السلع، لذلك يعتقدون بأننا نستغل إعاقتنا لدغدغة مشاعر الأشخاص العاديين من أجل الحصول على أموالهم، وهو أمر غير صحيح”.
رئيسة جمعية البركة لمساعدة الأشخاص المعوقين “فلورا بوبرغوت” لـ “الموعد اليومي”: نريد التكفل الفعلي للدولة في مجال التشغيل، النقل والتوعية”
اعتبرت السيدة فلورا بوبرغوت رئيسة الجمعية الوطنية “البركة” لمساعدة الأشخاص المعوقين، في حديثها لـ “الموعد اليومي” أن وضعية المعاق في الجزائر صعبة للغاية، خاصة في مجالات النقل والتشغيل، حيث أن المعاق يرغب في الإدماج الاجتماعي حتى يعتمد على نفسه في احتياجاته، ولكنه يجد عدة حواجز تقف في طريقه، بداية من انعدام وسائل النقل التي تحول دائما دون تنقله لقضاء حاجياته، ناهيك عن فرص التشغيل الخاصة بهذه الفئة، التي تعتبر ضئيلة جدا حتى لا نقول منعدمة، وهذا لأن المؤسسات المشغلة ترفض تشغيل هذه الفئة، معتبرة أنها بالإضافة إلى أنها لا تملك الإمكانيات اللازمة لذلك، حيث تقول بأنها غير مجبرة على توفير وسيلة نقل خاصة للمعاق لأن ذلك من واجبات الدولة وليس من واجباتها. وبهذا يجد المعاق نفسه مجبرا على طلب التكفل المادي والمعنوي من الآخرين، بالنظر إلى أن المنحة التي تقدمها الدولة غير كافية لتلبية متطلباته، ناهيك عن الحواجز التي تحول دون تدريس العائلات لأبنائها، والتي تتمثل عموما في نقص الإمكانيات، حيث من الملاحظ أن النسبة الكبيرة من العائلات التي لديها أطفال معوقين هي عائلات غير ميسورة الحال، ما يشكل هاجس انعدام الحفاظات و كذا الكراسي المتحركة، التي تمنعها من تسجيل أبنائها للتمدرس، من جهة أخرى طالبت السيدة بوبرغوت الدولة بتقليص مدة تجديد الكرسي المتحرك، من خمس سنوات إلى سنتين، لأن وضعية الطرقات الجزائرية تجعل هذه الكراسي المتحركة في حالة يرثى لها في فترة قصيرة ولا تتحمل السير لخمس سنوات، كما اعتبرت السيدة بوبرغوث أن وضع الأطفال المعاقين في مدارس خاصة بهم يعتبر نوعا غير مباشر من التهميش، داعية السلطات وكافة الجهات المعنية إلى إدماج هذه الشريحة في مدارس عادية ومع أطفال في عمرهم ما سيسهل عليهم الاندماج في المجتمع دون عقد، لأنه ما من شيء يمنعهم من بلوغ مناصب مهمة وتحقيق إنجازات عديدة.
رمطان لعمامرة يؤكد أن الجزائر تعمل على تحسين ترتيبها للتكفل بالأشخاص المعاقين
أكد وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة خلال اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة حول الإعاقة والتنمية الذي عقد بنيويورك في وقت سابق، أن الجزائر تعمل على تحسين أداء مختلف الترتيبات التي تم وضعها للتكفل بالأشخاص المعاقين، وأضاف أن الجزائر التي اختارتها الأمم المتحدة لتشارك في المشاورات حول أجندة التنمية ما بعد 2015 التي ستتكفل بأهداف الألفية للتنمية “تجاوزت الالتزامات الناجمة عن انضمامها إلى الاتفاقية الدولية لـ 2006″، وبعد أن ذكّر بالإجراءات الرئيسية التي اتخذتها الجزائر، تطرق الوزير إلى التكوين القائم على أزيد من 250 مركز مختص يتكفل بأكثر من 20.000 طفل معاق وإلى القانون الذي ينص على تخصيص نسبة 1 بالمائة من مناصب الشغل للمعاقين والتكفل المالي بالحاجيات المتعلقة بالحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وكذا إلزامية دمج في دفتر شروط كل مقاول تسهيل دخول الأشخاص المعاقين للبنايات العمومية والخاصة المنجزة. وأضاف الوزير أنه تم فتح تحقيق وطني في 2011 قصد تعميق التقييم النوعي والكمي لحاجيات الأشخاص المعاقين وإعداد خطة عمل شاملة موجهة لتحسين الترتيبات الموجودة للتكفل بهذه الفئة من المجتمع. وعلى الصعيد الدولي، اعتبر الوزير أنه يبقى فعل الكثير من أجل تحسين التكفل بالمعاقين الذين يجب أن يردوا في أجندة التنمية ما بعد هذه السنة.