عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ” قال اللَّه عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب. فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بصومه، وإذا لقي ربه فرح بصومه” رواه البخاري. إن الصوم ركن من أركان الإسلام، يستقبل المؤمن الصادق شهره منشرح الصدر، طيب النفس، مثلج الفؤاد، يحس من أعماق قلبه بنشوة الشوق إليه، والتلذذ بصيامه وقيامه في ضراعة. فمثل هذا المؤمن يصبح هواه تبعًا لدينه ولما جاء به نبي الهدي -صلى الله عليه وسلم. وغيره ممن استحب العمى على الهدى، تراه مستقبله منقبض الصدر، كاسف البال، مزعزع الوجدان، يحس بأن شهر الصوم يقطع عليه شهوته وملذاته، فهذا إن ادعى أنه مؤمن، فإيمانه مصطنع مزيف لا يحس صاحبه بحلاوة للإيمان في قلبه.
إن الأعمال كلها لله وحده، يثيب اللَّه عليها فاعلها: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يعلم مقداره إلا اللَّه ” مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” البقرة: 261، فمضاعفة الأعمال إلى أكثر من سبعمائة ضعف تقرره هذه الآية الكريمة، إلا أن اللَّه تعالى العليم بخلقه، يعلم أن من الناس من يتظاهر بالصوم، ويستر فضيحته من الناس فيتوارى عن الأنظار. من أجل ذلك استثنى اللَّه تعالى الصوم من أعمال العباد فنسبه إليه “لأن الصوم سر بين العبد وربه” ونسبة العمل إلى اللَّه تعالى دليل على أنه سبحانه يمنح الصائم ثوابًا بغير حدود وربما لا يخطر له على بال. والصائم الذي ينشد صحة صومه، ويرجو القبول من ربه، تستشعر جوارحه معاني الصوم، فيمسك عن الشر قبل أن يمسك عن الطعام والشراب، فالعين تصوم بغض البصر، والأذن تصوم عن القيل والقال، وفحش الكلام. ومن اعتدى عليه بشيء من ذلك فليقابل السيئة بالحسنة، وليتذكر أنه صائم لرب العالمين.