مع بداية ظهور فيروس كورونا الجديد وانتشاره في العديد من دول العالم، انطلقت الحملات التوعوية للتعريف بمخاطر الفيروس وكيفية الوقاية منه، واتُّخذت العديد من القرارات والإجراءات الاحترازية؛ للحد من تفشي الإصابة بهذا الفيروس. وراح كل واحد منا يشتري أنواعًا من هذه المطهرات اللازمة لعملية التطهير، وتناسينا في خضم هذا الحدث الجلل تطهيرًا أعظمَ وأهمَّ؛ ربما كان تقصيرنا فيه سببًا فيما حل بنا من البلاء والمصائب؛ قال تعالى ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ” الشورى: 30؛ ألا وهو: تطهير القلوب.
– تطهيرها من آثار المعاصي والذنوب، و”كل بني آدم خطَّاء”، ولكن فرق بين من يجلو قلبه بالتوبة والاستغفار، ومن يهمل قلبه حتى يعلوه الصدأ والران؛ قال صلى الله عليه وسلم: “إن العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صُقل قلبه، وإن عاد زِيد فيها حتى تعلو على قلبه، وهو الران الذي ذكر الله تعالى: ” كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” المطففين.
– تطهير القلب مع الله عز وجل: تطهيره من رؤية العمل والسعي لنيل حظوظ النفس. فأعمال طاهر القلب كلها لله، لا يطلب من المخلوقين مدحًا ولا تقديرًا، ولا يسعى لتحصيل وجاهة، لا يهمه أن يذكر اسمه في لوحة الشرف، ولا أن ينسب إليه العمل، لا فرق عنده إن كان مسؤولًا قائدًا أو جنديًّا تابعًا، فهو حريص على تحقيق الهدف وإنجاح العمل، أينما وُضع بذل، وهو مع ذلك خائف وجِل؛ هل رُدَّ جهده أو قُبِل؟
– تطهير القلب مع عباد الله: فلا يحسد أحدًا على نعمة أنعم الله بها عليه؛ من مال، أو علم، أو زوج، أو منزلة في قلوب الخلق، بل يفرح بذلك؛ لأنه يعلم أن محبة الخير للمسلمين من كمال الإيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفس محمد بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير” رواه البخاري. فإذا قيل: كيف أجعل قلبي نقيًّا تجاه إخواني؟ وكيف أتقي الغيرة والحسد وسوء الظن وغيرها من الأمراض الخطيرة، التي بقاؤها في القلب يحرق القلب، وينقص الإيمان، ويأكل الحسنات؟
كان الجواب:
أولًا: الاستعانة بمن بيده تقليب القلب: فإن الله يحول بين المرء وقلبه، فاستعن بالله، وأكثِر من دعائه أن يطهر قلبك، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “وأهدِ قلبي، واسلل سخيمة صدري” رواه الترمذي.
ثانيًا: أن تخرج الدنيا من قلبك: وأن تعلم أن ما فاتك منها إنما فاتك لحكمة يعلمها الله، وأنه خير لك، ولربما لو مكَّنك الله من هذه الدنيا التي حسدت غيرك لأجلها، فإنها ستكون سببًا في ضلالك وبعدك عن الله، فارضَ بما قسم الله لك، فإن العبد إذا أيقن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة، رضي بحاله، ولم يجد في قلبه حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه؛ قال تعالى: ” وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ” النساء: 32.
فكم حرصنا خلال أزمة “كورونا” على تطهير كل شيء من حولنا؛ خوفًا على أبداننا، وحرصًا على حياتنا في الدنيا! فلنكن أحرص على تطهير قلوبنا؛ لأن فيه نجاتنا وحياتنا في الآخرة، فموت القلب هلاك الأبد، فهلا التفتنا إلى قلوبنا ونظرنا في طهارتها؟ هلا أصلحنا ما بيننا وبين ربنا سبحانه، وما بيننا وبين عباده؟