لإرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف…الجزائر تحيي ذكرى يوم الشهيد هذا السبت… الجزائر لن تتنازل عن أرشيفها كاملا غير منقوص

لإرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف…الجزائر تحيي ذكرى يوم الشهيد هذا السبت… الجزائر لن تتنازل عن أرشيفها كاملا غير منقوص

 تحيي الجزائر وأبناؤها، اليوم، يوم الشهيد، عرفانا بما قدمه من تضحيات جسيمة في سبيل تحرير البلاد، فهو الذي لبى النداء وضحى بالنفس والنفيس دفاعا عن الوطن والحرية والشرف، صادقا عهده ولم يبدله تبديلا، وقد خصص تاريخ 18 فيفري كيوم وطني للشهيد وتم الاحتفال به لأول مرة سنة 1989 بمبادرة من تنسيقية أبناء الشهداء تكريما لمـا قدمه الشهداء حتى لا ننسى مغزى الذكرى واستشهاد المليون ونصف المليون من

الشهـداء لتحرير الجزائر، وتهدف هذه المناسبة إلى إرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف من أجل استخلاص العبر والاقتداء بخطهم الشريف، ويمثل هذا اليوم وقفة لمعرفة مرحلة الاستعمار التي عاشها الشعب الجزائري في بؤس ومعانـاة، وهذا لأن التاريخ يمثل سجل الأمم، فالجزائر أمة مقاومة للاحتلال منذ فجر التاريخ خاصة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني، حيث قدمت الجزائر خلاله قوافل من الشهداء عبر مسيرة التحرر التي قادها رجال المقاومات الشعبية منذ الاحتلال في 1830 مرورا بكل الانتفاضات والثورات الملحمية التي قادها الأمير عبد القادر والمقراني والشيخ بوعمامة وغيره من أبناء الجزائر البررة، وكانت التضحيات كبيرة مع تفجير الثورة المباركة في أول نوفمبر 1954، حيث التف الشعب حول جيش التحرير وجبهة التحرير الوطني، فكانت تلك المقاومة والثورة محطات للتضحية بالنفس من أجل أن تعيش الجزائر حرة، مستقلة وبفضل تلك التضحيات سجلت الجزائر استقلالها في 5 جويلية 1962.

 

ولاية الجزائر تحتضن الاحتفالات الرسمية المناسبة

تحتضن الجزائر العاصمة الاحتفالات الرسمية لليوم الوطني الشهيد، التي بدأت منذ بداية شهر فيفري الجاري، وشملت زيارات ميدانية للمتاحف، كما تم تنظيم عدة محاضرات تاريخية حول الذكرى، إضافة إلى تنظيم مسابقات فكرية وعلمية إحياء للمناسبة.

 

18 فيفري يوم الشهيد وذكرى ازدياد زيغود يوسف

قال المجاهد والوزير الأسبق للمجاهدين ابراهيم شيبوط، في تصريح سابق للصحافة إنه لم يكن قبل استلامه الحقيبة الوزارية يُحتفل بيوم الشهيد، بل كانوا يقدسون الشهيد دونما تخصيص يوم له، وكانوا دائما يذكرون النشيد الذي يقول “إخواني لا تنسوا شهداءكم”، ولما تولى حقيبة وزارة المجاهدين، قرر أن تكون هذه الذكرى كيوم وطني، بعد عقده اجتماع مع منظمة المجاهدين، واتفقوا رسميا على أن يوم الشهيد هو 18 فيفري، وتم اختيار هذا اليوم لأنه مناسبة ازدياد الشهيد زيغود يوسف، ما جعل الوزير الأسبق يختار هذا اليوم.

 

سعيد عبادو: “استرجاع ذكريات الشهداء فرصة لإدراك التضحيات واستلهام العبر من الأجيال الصاعدة”

اعتبر الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو، أن استرجاع ذكريات الشهداء فرصة ذات مغزى متعدد الفوائد، منها معرفة حجم التضحيات لأجل هذا الوطن واستلهام العبر من الأجيال الصاعدة.

وأبرز السيد عبادو بالمناسبة بأن “إحياء ذكريات شهدائنا يمكّن من إدراك مدى التضحيات الجسام لأبناء هذا الوطن، وهو أيضا فرصة تتيح استلهام العبر منها لفائدة الأجيال الصاعدة وكل استرجاع لذكرى شهيد معين معناه تخليد لذكريات كافة الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف من أجل أن تحيا الجزائر مستقلة، فلولا تضحيات الشهداء ما تحررت الجزائر، وتترجم التضحيات المتوالية للشعب الجزائري ضد المحتل أن هذه الأخيرة أمانة غالية ينبغي على الأجيال أن تحافظ عليها”، وأضاف المتحدث مشددا على أن “اليقظة مسألة ضرورية الآن لحماية البلاد من تكالب الأعداء عليها، وأن يكون كل مواطن حارسا أمينا للجزائر”.

 

“الشهداء هم الفئة التي أدت واجبها على أكمل وجه” ومع ذلك بقوا بلا قبور

قال الرئيس الراحل هواري بومدين في أحد خطبه حول ثورة نوفمبر المجيدة، “الشهداء رحمهم الله هم الفئة التي أدت واجبها على أكمل وجه”، وهو يذرف دموعا حامية أمام الشعب، ويردد أسماء لشهداء أمثال بن مهيدي ولطفي والقائمة طويلة وحبلى بالأسماء التي يبقى صداها محفورا في قلوب وذاكرة الشعب الجزائري.

ففرنسا الاستعمارية، كانت تعرف أن الجزائريين ليسوا خانعين ومجبولين على قبول الاحتلال والذل والهوان، لذا واجهتهم بأشرس الأسلحة، وأعتى الاستراتيجيات الحربية (سياسة الأرض المحروقة والمناطق المحرمة، ومراكز “لاساس”)، لكن الشهداء والمجاهدين تصدوا للمارد الفرنسي والكثير من شهداء ثورة التحرير، هم اليوم بلا قبور ولا شواهد تدل عليهم، ذلك أن الجيش الاستعماري الفرنسي كان يفتك كما اتفق، ويبطش كفرعون عصره، لا حسيب ولا رقيب، فكل شيء مباح ومستباح لدى جنرالات وعساكر فرنسا، ففي كل شبر من الجزائر، قطرة دم شهيد وشهيدة، لكن القبور مجهولة، لذا فعمليات إعادة دفن الرفات التي تجرى في كل مرة تعد من السنن الطيبة للحفاظ على الذاكرة الجماعية للأمة الجزائرية (…) حمو بوتليليس، زدور إبراهيم بلقاسم، ابن العالم الجليل الشيخ الطيب المهاجي، أحد علماء وهران والجزائر، وأسماء أخرى، رمت بهم فرنسا في متاهات وأماكن غير معروفة، حتى لا يكونوا قبلة وحافزا للمجاهدين ليذودوا عن حياض الوطن، لكن الفكر الاستعماري الهدام، لم يصمد أمام عزيمة رفقاء الشهداء، وكبرت قافلة الشهداء لتشمل آخرين ما زالوا مجهولين لحد الآن.

ونحن نحيي اليوم الوطني للشهيد، تستوقفنا هذه المحطة لاستلهام جسامة التضحيات، التي قدمها الشعب الجزائري برمته سواء داخل الوطن أو في ديار المهجر.

 

الطيب زيتوني: “98 %  من الأرشيف الجزائري بأيدي الفرنسيين”

عبر وزير المجاهدين عن استيائه والأسرة الثورية والمجاهدين من حملات التشويه التي تتعرض لها الذاكرة التاريخية الجزائرية، وصنفها في خانة “المعزولة” و”المنفردة” واستشهد بالمثل القائل “ذكر الأذى بعد الصفا أذى”، مشددا على أن التاريخ والتضحيات الجزائرية أكبر بكثير، موضحا أن الثورة التحريرية كانت شعبية وليست مؤطرة في مدارس عسكرية ومن الطبيعي أن تتخللها سلبيات لكن إيجابياتها كانت أعظم ويكفي فخرا أنها هزمت الحلف الأطلسي بعدته وعتاده.

وشدد الوزير على ضرورة استرجاع الأرشيف الوطني كاملا غير منقوص وأن جرح الاستدمار الفرنسي اندمل لكن علاماته باقية والجزائر لن تتنازل عن مطالبها الشرعية دونما مركب نقص، واعتبر حملات التشويه التي تتعرض لها الذاكرة الجزائرية من بعض الأشخاص “معزولة” و”منفردة” والتاريخ والتضحيات الجزائرية أكبر بكثير..

وأوضح زيتوني أن الزيارة التي تعد الأولى من نوعها لوزير المجاهدين إلى فرنسا، أفضت إلى تشكيل لجنة جزائرية فرنسية مشتركة تفرعت عنها عدة لجان لدراسة ملفات المفقودين، التفجيرات النووية برقان وملف الأرشيف الوطني الجزائري، مشيرا إلى اجتماعين تم عقدهما في الـ 3 والـ 11 من الشهر الجاري بالعاصمة وتطرقا إلى ملف المفقودين وملف التجارب النووية برقان التي احتفلت الجزائر منذ أيام فقط بذكراها الـ 56.

كما أكد الوزير أن المفاوضات مع فرنسا حول هذه الملفات وصلت إلى نقطة “اللارجوع”، حيث طالبت الجزائر بالتعويضات لضحايا التجارب النووية سواء كانوا أفرادا أو جماعات، علاوة على تعويضات عن الأضرار التي تعرض لها المحيط والبيئة، مضيفا أن فرنسا الاستعمارية ارتكبت جريمة شنعاء لا تغتفر برقان حتى بشهادات الفرنسيين أنفسهم والجزائر لن تتنازل عن مطالبها الشرعية دون أي مركب نقص وستدعم ملف ضحايا التفجيرات النووية بالاستعانة بخبراء في القانون وأطباء، مؤكدا أن فرنسا لا تستطيع أن تنكر جرائمها في رقان، كما تقرر إعادة دراسة ملف المفقودين خلال الحقبة الاستعمارية من الجزائريين، مشيرا إلى أنه التقى العائلة الثورية وأصدقاء الثورة من الفرنسيين بباريس.

وعن الأرشيف الوطني الجزائري لدى فرنسا وتماطلها في تسليمه، أكد زيتوني أن الجزائر لن تتنازل عن أرشيفها كاملا غير منقوص منذ بدء الاحتلال سنة 1830، مشيرا إلى أن الجزائر تسلمت 2 بالمائة فقط من أرشيفها الوطني، بينما تبقى ما نسبته 98 بالمائة بين أيدي الفرنسيين، مشددا على ضرورة استرجاعه كاملا حتى ذلك الذي يحمل صفة “سري للغاية”، وقال إن اللجان المشتركة بدأت في عملها حديثا ونحن في بداية المفاوضات لاسترجاع الأرشيف كاملا دون استثناء.

وشدد الطيب زيتوني على أن وزارة المجاهدين هي وزارة ذاكرة الشعب الجزائري، إلا أنها لا تحتكر التاريخ لكنها تسعى جاهدة لكتابته لأن كتابة التاريخ الحقيقي للثورة الجزائرية ستُسكت جميع الأصوات، مشددا على أنها لن تستند فقط على الأرشيف الجزائري الوطني لدى فرنسا وإنما على شهادات المجاهدين والمؤرخين والباحثين الجزائريين.

وقال زيتوني إن ملفي التفجيرات النووية والمفقودين لا يمكن مناقشته بمعزل عن ملف الأرشيف لأن الملفات الثلاثة مرتبطة ولا يمكن فصلها، فالحديث عن المفقودين أو مواقع التفجيرات النووية -وحتى خرائط الألغام على خطي شال وموريس- مستحيل دون العودة إلى الأرشيف الوطني الجزائري لدى فرنسا، لكن هذا لم يمنع الجزائريين والمؤرخين من توثيق جرائم فرنسا الاستعمارية منذ وطأت أقدام الاحتلال أرض الشهداء، كاشفا في هذا السياق أن الجزائر أحصت 1212 مركزا للتعذيب و1312 مقبرة شهداء آخرها تم اكتشافها بخنشلة التي ستحتضن الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني للشهيد الموافق لـ 18 فيفري تحت شعار “حتى لا ننسى إخواننا الشهداء”.

 

الجزائريون مع برنامج ثري بالمناسبة

سطرت المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء برنامجا ثريا لإحياء اليوم الوطني للشهيد المصادف لـ18 فيفري الجاري، بالتنسيق مع مختلف الفاعلين المشاركين في تخليد هذه المناسبة التاريخية، حيث يتخلل البرنامج الاحتفالي في هذا الإطار تقديم وثائق وأشرطة وثائقية تعكس الجرائم الرهيبة للاستعمار الفرنسي الممارسة في حق الجزائريين طيلة سنوات الاحتلال، كما خصصت منظمة أبناء الشهداء العديد من النشاطات الاحتفالية تخليدا للذكرى، كبرمجة المحاضرات والندوات التاريخية التي ترمز لليوم الوطني للشهيد مع تقديم شهادات حية لبعض من عايش تفاصيل ثورة التحرير المباركة إلى جانب أعضاء الأسرة الثورية.

وستعمل المنظمة على تنسيق العمل في هذا الإطار مع المنظمات والجمعيات التاريخية الأخرى، كمنظمة المجاهدين وجمعية مشعل الشهيد ومختلف أطياف المجتمع المدني في محاولة لإقناع الجميع بأهمية المشاركة الفعالة في إحياء هذه المناسبة الغالية التي تعكس التضحيات الجسام للشهداء في سبيل استقلال الوطن.

كما ستكون المنظمة حاضرة في فعاليات الاحتفالات الرسمية للذكرى لهذه السنة، من خلال العديد من النشاطات التاريخية والثقافية وعرض أشرطة وثائقية للبطولات التي صنعها بعض الشهداء أثناء الثورة، إلى جانب استضافة باحثين ومؤرخين وأساتذة جامعيين لإثراء البرنامج الاحتفالي المخصص للمناسبة. كما ستكون هذه المناسبة لتكريم بعض المجاهدين وعائلات الشهداء ومتقاعدي بعض الأسلاك الأمنية.

وأمام هذه الأنشطة والمشاركة القوية لجميع المنظمات وشرائح المجتمع في تخليد ذكرى يوم الشهيد فرصة هامة لتأكيد صدق الوفاء للشهداء الذين ضحوا من أجل البلاد، باعتبارها محطة أخرى لتأكيد التمسك بموقف تجريم الاستعمار والمطالبة بالتعويض.

 

الشهيد في الإسلام تكريم وتبجيل

وقد شدد علماء الإسلام وأكدوا على المكانة الشريفة التي حظي بها الشهيد في الإسلام والموسومة بالتكريم والتبجيل لما خصه به الله من مكانة حميدة، وعرفان له بما قدمت يداه من تضحيات جسام، فهو الذي لبى وضحى بالروح والجسد دفاعا عن الوطن والحرية والشرف صادقا عهده ولم يبدل تبديلا ويقول الله سبحانه في حق الشهيد: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكانة الرسول: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون دم والريح ريح مسك) ويقول: “ما من نفس تموت لها عند الله خيرٌ يسرّها أن ترجع إلى الدنيا، وإن لها الدنيا وما فيها، إلاّ الشهيد، فإنه يتمنّى أن يرجع، فيُقتل في الدنيا لما يرى من فضل الشهادة”.

صحيح مسلم، ج3، ص 1498