لا يستقيمُ الظِّلُّ والعُود أعوجُ

لا يستقيمُ الظِّلُّ والعُود أعوجُ

ما شاهدت رجلًا صالحًا في حياتي، أو قرأت عنه، إلا وجدت بركة هذا الصلاح في ذريته، وتأتي هذه البركة في صورٍ شتى؛ سَعَةٍ في المال، رِفعةٍ في الدنيا، صحة وعافية في البدن، راحة بال… وأحيانًا جُل هذا. فالكَنز المقبور تحت الجدار لغلامي المدينة، أراد الله أن يبقى البناء قائمًا حتى يبلغا الرشد، ثم يبعث الله إليهما موسى والخضر ليُقيما الجدار؛ فقد كان أَبُوهُمَا صَالِحًا ” وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ” الكهف: 82، قيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء. وأعظم بركة يمكن أن تطول الولد أن يكون في صلاحه امتدادًا لوالديه؛ قال تعالى ” وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ” الصافات: 113. من أجل ذلك، كان الصالحون يتقربون إلى الله طمعًا في أن يبقى أثرُ طاعتهم من بعدهم في أولادهم وأحفادهم؛ فهذا والد الإمام البخاري يقول عند موته: “والله لا أعلم أني أدخلت على أهل بيتي يومًا درهمًا حرامًا، أو درهمًا فيه شبهة”، فجاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح مجموعًا على يد ولده محمد بن إسماعيل البخاري، أصح الكتب بعد كتاب الله. وكان سعيد بن المسيب كلما أراد أن يصلي قيام الليل، نظر إلى ابنه فقال: “إني أزِيدُ في صلاتي ليصلحك الله وليحفظك الله”، ثم يبكي وهو يتلو قول الله تعالى ” وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ” الكهف: 82. وقد أرشدنا الله تعالى إلى الطريق الضامن لحفظ الأولاد؛ فقال ” وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ” النساء: 9. من أجل هذا، كان دَيدنَ الأنبياء والصالحين الانشغالُ بصلاح أبنائهم في حياتهم وبعد وفاتهم. فإبراهيم عليه السلام أخذ العهد والميثاق على أبنائه لم يقُل لهم: لا تموتن إلا وأنتم أيدٍ واحدة، أو اعملوا على أن تكونوا أعظم الناس، لم يهتم بهذا؛ وإنما قال لهم ” يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” البقرة: 132. والشيء نفسه فعله يعقوب عليه السلام؛ قال تعالى ” أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ” البقرة: 133.

موقع إسلام أون لاين