عند قراءتك لحديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار وانطبقت عليهم صخرةٌ سدَّت باب الغار، أيقنوا كل اليقين أن الصخرة لن تنزاح إلا بمكاشفة الله بأغلى لحظات الصدق في حياتهم، فقام كل منهم بعمليةِ عصفٍ ذهني لمسيرةِ حياتهِ وأيام عمره وسني دهره، فلمَّا أن وجد كل واحد منهم لحظةً صادقة مع الله ابتهل إلى الله بها متوسِّلًا إلى الله بهذه اللحظة الصادقة ليكتب له النجاة في هذا الموقف العصيب الرهيب، فكانت النتيجة أنِ انزاحت الصخرة، وخرجوا يمشون. لقد كانت لحظة صدق واحدة في حياة كل منهم كفيلة بأن تنجيهم من هلاك محقق، وعسى أن ينجيهم الله غدًا في الآخرة بها. ثمة أسئلة كثيفة تتوارد على الذهن مفادها لو كنت رابعهم بماذا ستدعو، وما هي لحظة الصدق مع الله التي ستظهر جلية في ذاكرتك. إنه أمر مقلق للغاية يدعونا جميعًا إلى أن نهتم بالكيف لا بالكم، فكم هي العبادات والقرب والطاعات في حياتنا؟! لكن كيف هي؟! ألم يسبق درهمٌ ألفَ درهم؟ أليس يسجد اثنان وبين سجود كل منهما كما بين السماء والأرض؟ ألم يأتِ في الحديث: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”؟ أمَا قرأنا أنَّ الصدِّيق ما كان أكثر الصحابة عبادة ولكن بلَغ بصدقه؟ أمَا قرأنا أنَّ عثمان بتجهيزه جيش العسرة نال وسامَ وتبوَّأ مكانةَ وتقلَّد شرَفَ: “ما ضرَّ عثمانَ ما فعل بعد اليوم”. إنه ليأخذك العجب وأنت تقرأ في حديث المرأة البغي التي سقت الكلب في لحظة صدق فكانت النتيجة أن غفر الله لها؛ ففي الحديث: “بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ”، فهذه المرأة سقت الكلب في لحظة صدق مع الله بنية خالصة صافية تملكت قلبها فغُفِرَ لها. ما أجمل الصدق مع الله! والدخول عليه من هذا الباب ولو بركعة أو لقمة أو شربة أو حتى بكلمة، إنَّ هذا العمل الذي ولو كان يسيرًا ليصبح بالصدق أثقلَ ما في ميزانك.
موقع إسلام أون لاين