تسجل محلات بيع “الكرانطيطة” إقبالا واسعا من قبل الزبائن خلال هذه الفترة، أين يفضل الجميع تناولها ساخنة ومطلية بـ”الهريسة” للتخفيف من برودة الطقس لدرجة أصبحت منافسا قويا لطبق اللوبيا الذي يسجل إقبالا
خلال نفس الفصل، خاصة المحلات العريقة المشهود لها باحترافية في التحضير وبأسعار تتماشى والطبقة المتوسطة.
يشهد محل عمي عمر بباش جراح إقبالا منقطع النظير على “الكرانطيطة” لدرجة أصبحت مصدر وجبة غداء يومي لسكانها وللمارين بها، حيث تعبق رائحة طهيها المنطقة ما يدفع سكانها إلى التسارع للمحل وهم يحملون صحونهم تارة ليملأوها ويتقاسمونها مع أفراد الأسرة ،أو يفضلونها في سندويشات متفاوتة الأحجام والجميع يفضلها ساخنة وحارة، حسب ما صرح به أحمد أحد العاملين بالمحل، أين ذكر أن هناك عددا لا يستهان به من العمال الذين ترددوا على المحل، أين اكتسبوا خبرة عمي العربي الذي ورّثها لأبنائه، ويتميز عن غيره بخلطة متميزة في إعدادها جعلت محله يستقبل مئات الزبائن سنويا وخاصة خلال هذه الفترة كونها تسد الجوع، بإعتبارها طبقا متكاملا ويعمل على جعل الذي يتناوله يشعر بالشبع في فترة قصيرة، كما تساهم “الهريسة” في منحها لذة تقضي على برودة الطقس، أما المترددين على المحل فأكدوا أنهم لا يستغنون عنه لميزة طعمه، حتى أن أقاربهم من مناطق مجاورة يتنقلون خصيصا لتناولها.
وغير بعيد عن باش جراح وبالتحديد في المدنية، أين يتربع محل “زبادي” على عرش المحلات ويتحول خلالها إلى خلية نحل يلتف حولها الزبائن ويقصدها من كل حدب وصوب يطلبون فيها سندويشات الكرنطيطة، في الوقت الذي تعبق فيه رائحة الكمون المنطقة، و يقصد المحل زبائن من مدن مجاورة مثل بئر مراد رايس والمرادية والعناصر وكلهم رغبة في الاستمتاع بنكهتها المميزة.
الكرنطيطة أسطورة الحمص المسحوق الذي يعشقه الجزائريون
تعتبر “الكرنطيطة” أكلة ضاربة في التاريخ من أصل إسباني، إذ يعود ظهورها حسب عدد من الروايات إلى القرن الثامن عشر بوهران غرب الجزائر، إبان حقبة الاحتلال الإسباني، حيث قام الباي العثماني بوشلاغم بمحاصرة حصن الجنود الإسبان لعدة أيام، ما أدى إلى نفاد المخزون الغذائي، ولم يتبق بالمطبخ سوى كيس واحد من الحمص، ما جعل الطباخ يقوم بطحنها وتحضير طبق أصبح يطلق عليه اسم “الكلانتيتا” أي الدافئ باللغة الإسبانية، لأنه يؤكل ساخنا..
ويقال إن هذا الطبق ابتكره طباخ إسباني كان محاصرا مع زملائه العسكريين في حصن جبل “هيدور”، المطل على مدينة وهران من الجهة الغربية، في القرن الثامن عشر وكادوا أن يموتوا جوعا، ولم يكن الطباخ يملك غير الحمص الجاف. فطحنه وخلطه بالماء والملح، ثم طهاه وقدّمه للجنود. هذه هي الرواية المتداولة حول أصل هذه الأكلة الشعبية. أما تسميتها، فيقال إنها مشتقة من كلمة “كاليينتي” الإسبانية، والتي تعني الساخن، وتحوّلت تسميتها إلى ما يلائم المناطق التي تستهلك فيها. فصارت “كرانتيكا” في وهران وغيرها من التسميات في غيرها من المدن. ورغم اختلاف التسميات إلا أنها حافظت على أصلها: الحمص المطحون مع الماء والملح، وأضاف لها البعض مكونات أخرى حسب أذواقهم وإبداعاتهم المطبخية. وصارت معروفة في الشرق والغرب أنها أكلة جزائرية، حتى وإن كان المغاربة يتبنّونها ويدّعون أنها مغربية..
أما رواية أخرى، فتقول إن الطبق جزائري مائة بالمائة، حيث يعود ظهوره إلى فترة الحكم العثماني، حيث إن امرأة تقطن بوهران نفد مخزون بيتها ولم تجد ما تطعم به أبنائها فقامت بطحن الحمص، وتحضير “الكرنطيطة”، ومنذ ذلك الوقت انتشر الطبق في أوساط الجزائريين، وكان قديما يتم بيعها من قِبل الباعة المتجولين في الشوارع والأسواق الأسبوعية، قبل أن تستقر في محلات الأكل الخفيف، وهي الأكلة المفضلة للزوالية محدودي الدخل، لسعرها الذي لم يسجل ارتفاعا على باقي الوجبات التي تعرض في محلات الأكل السريع أو المطاعم ويتواجد أغلب محلاتها في الأحياء الشعبية على غرار باب الوادي والحراش والمدنية بالعاصمة والحمري وڤومبيطة وسان بيار بوهران، وإن كانت العاصمة ووهران الأكثر شهرة بالأكلة الشعبية، إلا أن ذلك لم يمنع رواجها في مناطق أخرى.