تحتاج الأنشطة التجارية في بلدنا إلى الكثير من التأطير والرقابة، خاصة مع قلة ضمير التجار الذين أصبح همّ بعضهم تحقيق الأرباح لا غير، ضاربين عرض الحائط بعض المبادئ التي يفترض أنها من صميم النشاط التجاري.
ويلاحظ المتجول عبر بعض المحلات التجارية بالعاصمة، كثرة التجاوزات التي قد تبدو عادية للبعض، غير أنها تعتبر بالنسبة للعارفين بالمجال التجاري، من المخالفات التي يفترض أن يعاقب عليها القانون.
الخبز.. من المخابز إلى “السوبيرات”
يعتبر الخبز أكثر المواد استهلاكية في الجزائر، ويعد أيضا أكثر المواد بيعا دون مراعاة أدنى شروط حفظها، رغم أنه يفترض أن تختص به المخابز أو بعض نقاط البيع، غير أن بعض التجار وبحكم تواجدهم في أحياء جديدة أو أخرى شعبية، تحتاج إلى هذه المادة في ظل نقص عدد المخابز أو غيابها، بالتالي يسارعون إلى تأمينها، شأنها شأن الحليب الذي يتوفر عند بعض التجار الذين لا يرتبط نشاطهم ببيع المواد الغذائية، غير أنهم في المقابل، لا يراعون مطلقا شروط البيع، حيث نجد مثلا الخبز موضوعا في سلل أمام بعض السلع، كمواد التنظيف، بسبب صغر المحل أو امتلائه بالسلع. فأصبح الخبز متواجدا عند باعة مواد التنظيف وحتى التجميل، فالمهم عند هؤلاء هو البيع، فلم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل تعداه إلى بيع المياه المعدنية والمشروبات الغازية وحتى المرطبات، الأمر الذي يثير الحيرة والدهشة، فكيف بإمكان التاجر الذي يبيع العطور أو مواد التنظيف أن يجمع بين عدة أنشطة في نشاط واحد.
تعدد الأنشطة مقبول لكن بشروط
قال الحاج الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، إن ممارسة أكثر من نشاط واحد في محل تجاري واحد، كبيع المواد الغذائية ـ مثلا ـ مع الألبسة أو مع مواد التجميل أو الأدوات المدرسية، عادة ما يكون في بعض المناطق النائية أو الريفية، أو الأحياء التي تعرف قلة المحلات التجارية، الأمر الذي يتطلّب توفير بعض المستلزمات للسكان عوض التنقل لمسافات بعيدة بغية تأمينها، غير أن ما يجب التأكيد عليه في هذا الخصوص، يقول ”أن تكون مثل هذه الأنشطة مدمجة في السجل التجاري للتجار، بواسطة رموز، حتى نصف عمل التاجر بالقانوني”، ويضرب مثلا بتاجر المواد الغذائية الذي يمكنه أن يبيع بعض اللوازم الأخرى التي يحتاجها المواطنون، مثل الخبز، شرط ألا يتم خلطه مع باقي المواد، نظرا لحساسية هذه المادة الغذائية، مشيرا إلى أنّ ما يحدث ـ للأسف ـ في الواقع مخالف تماما، فلا يمكن أن نتصور أن بائع العطور ومواد التجميل والنظافة يبيع الخبز، لأنه يعتبر من المخالفات التي يعاقب عليها القانون، ويضيف ”هذا ما يقودنا إلى القول بأن التقيد بما ورد في السجل التجاري، محصور في قلة قليلة فقط من التجار”.
وأشار بولنوار إلى أن الفوضى التي تعرفها بعض المحلات، راجعة بالدرجة الأولى إلى تقصير مصالح البلدية التي يفترض أن تباشر عملها، عند طلب أحد التجار ممارسة نشاط معين، فإن كان النشاط مثلا موجودا في الحي، يطلب من صاحب النشاط تغييره لإقرار التنوّع، ومن ثمة إعفاء التاجر من الجمع بين أكثر من نشاط واحد في محله، ويضيف ” غير أن غياب التنسيق بين مصالح البلدية ومديرية التجارة انعكس سلبا على ممارسة الأنشطة التجارية”.
تقصير المصالح الرقابية وراء انتشار الظاهرة
وصف حسان منوار رئيس جمعية “الأمان” لحماية المستهلك عدم تقيد بعض التجار بما ورد في سجلهم التجاري بـ «الفوضى التجارية”، وقال في معرض حديثه لـوسائل الإعلام إن خروج بعض التجار عن الأنشطة المقيّدة بالسجل التجاري، على غرار المقاهي، والذين يبادرون إلى ترتيب قعدات ”الشيشة”، رغم أنه غير وارد في سجلهم التجاري، أو قيام بعضهم ببيع السجائر داخل المقاهي، راجع بالدرجة الأولى إلى تقصير مصالح الرقابة في القيام بمهامها، الأمر الذي جعل الفوضى تسود، مشيرا إلى أن تماطل الجهات المعنية، دفع ببعض التجار إلى الذهاب لأبعد من ذلك، من خلال التقرّب من مصالح البلدية لطلب الحصول على تراخيص ممارسة بعض الأنشطة الموسمية، رغم أنها غير مدونة في سجلهم التجاري، كأن يبيع تاجر مواد غذائية ”الزلابية” أو بعض الحلويات التي ترتبط ببعض المناسبات.
ثقافة التبليغ تتحسن
من جهته، يرى ممثل مديرية التجارة لولاية الجزائر، أن القول بأن مصالح الرقابة لا تقوم بدورها كما يجب، أمر تنجم عنه فوضى في ممارسة الأنشطة التجارية، ”قول مردود عليه”، وبالعكس من ذلك فإنّ مصالح الرقابة من خلال أعوانها الذين يفوق تعدادهم 900 عون بين عون رقابة وعون قمع الغش على مستوى العاصمة، يقومون بعملهم بصورة يومية، تبعا لما يجري استقباله من تبليغات، حيث يتم التنقل فوريا إلى عين المكان والقيام بالإجراءات اللازمة، أو بناء على ما يتم استقباله من مكالمات عبر الرقم الأخضر 20/10، مشيرا إلى أن مصالح الرقابة عندما تتأكد من المخالفة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بممارسة نشاط غير مقيد بالسجل التجاري، تحرر محضرا ويتم إخضاع التاجر المخالف للعقوبات التي ينص عليها القانون، وقد تصل إلى حد الغلق في حال العودة إلى ذلك.
في السياق ذاته، قال المتحدث إن خروج التاجر عما ينص عليه السجل التجاري، يكون عادة” مقصودا”، نزولا عند رغبة سكان بعض الأحياء، حيث يبادر بعض التجار إلى بيع بعض المواد التي لا تعكس نشاطهم، بينما يعدّد البعض الآخر نشاطهم” عن جهل”، وفي الحالتين ”تتدخل مصالح الرقابة من خلال أعوانها لضبط النشاط، لأن الأمر يتعلق بصحة المستهلك”.
عن مدى وعي المواطنين بأهمية التبليغ عن بعض المخالفات التي يبادر إليها التجار، أشار محدثنا إلى أن مصالح الرقابة تتلقى يوميا شكاوى عن طريق الرقم الأخضر أو البريد الإلكتروني، وتقوم على الفور بمعالجة المخالفة، مشيرا إلى أن الوعي في المجتمع بدأ يعرف تحسنا، ”في المقابل، تقوم مصالحنا بالتحقيق في كل ما يصلها من تبليغات”.
ق. م