موروث حضاري شاهد على حضارة البلد

مساجد الجزائر العتيقة.. جزء من الوحدة الوطنية

مساجد الجزائر العتيقة.. جزء من الوحدة الوطنية

تحتوي الجزائر على العديد من المساجد والجوامع الإسلامية التي تتميز بالزخارف وفن العمارة المميزة، حيث خلفت الفتوحات الإسلامية عددًا كبيرًا من المواقع الأثرية في الجزائر، التي ما زالت شاهدة على كل الأحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة، ليصبح في الوقت الحالي عدد كبير من هذه المواقع بمثابة مزارات ومقامات ومساجد أثرية، يأتي إليها السواح والزوار من مختلف الجنسيات لكي يستذكروا تاريخ الفتح الإسلامي.

وتعيشُ كثيرٌ من المساجد العتيقة في مناطق مختلفةٍ من الجزائر وضعاً مُزرياً؛ حيث تتضافر عواملُ طبيعية وبشرية ضدّ بناياتها التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، لتجعلها عرضةً لتصدُّعاتٍ بليغة، أو للانهيار تماماً إذا لم يجر التدخُّل لترميمها، وكانت وزيرة الثقافة قد كشفت عن إحصاء 150 مسجداً تاريخياً في 22 ولايةً جزائرية لتصنيفها ضمن “قائمة التراث الوطني” بهدف ترميمها، مُضيفةً أنّ العملية ستشمل مساجدَ أُخرى.

 

وهران.. مساجد عتيقة ارتبطت بالماضي المجيد للمدينة

تزخر مدينة وهران بالعديد من المساجد العتيقة التي تم تشييدها عبر فترات متلاحقة منذ الفتح الإسلامي ساهمت في نشر أنوار الهداية والإشعاع الفكري، كما ارتبط البعض منها بأحداث تاريخية هامة عرفتها المدينة.

وقد تعرضت هذه المساجد التاريخية خلال الاحتلال الإسباني والفرنسي الذي دام أزيد من أربعة قرون إلى أعمال التخريب والغلق وطمس بعض معالمها المعمارية واستغلال البعض منها كمخازن للأسلحة ولمآرب أخرى، كما تم الاستيلاء على أوقافها.

ورغم الاعتداءات التي طالت هذه المنشآت الدينية والتعليمية، ما يزال بعض هذه الجوامع الأثرية يواصل أداء وظائفه الدينية، ومنها جامع الباشا، ومسجد الباي محمد بن عثمان الكبير، ومسجد محمد الباي، ومسجد الإمام الهواري.

 

جامع الباشا… شاهد على تحرير وهران من الإسبان

يعتبر جامع الباشا أحد أهم المساجد العتيقة بوهران تم تشييده من قبل الباي محمد الكبير مباشرة بعد تحرير وهران من الاحتلال الإسباني سنة 1792، بأمر من حاكم الجزائر، حسن باشا، وذلك شكرا لله على تمكينهم من طرد الإسبان بعد حوالي ثلاثة قرون من الاحتلال للمدينة، حسب ما ذكره رئيس مصلحة الثقافة الإسلامية والتعليم القرآني بذات المديرية، مخفي بوخماشة، استنادا إلى مصادر تاريخية.

وما تزال اللوحة الرخامية التأسيسية لهذا الجامع الذي افتتح سنة 1796 والموجودة حاليا بمتحف أحمد زبانة بوهران تؤرخ لهذا النصر.

وشيد هذا الجامع الأعظم آنذاك على طراز المساجد العثمانية ذات القبة المركزية يحيط بها 12 قبة صغيرة وأسفل القبة دكة تعلو بيت الصلاة كان المؤذن يرفع من عليها الأذان، فيما أنجزت المئذنة ثمانية الأوجه في الركن الجنوبي الشرقي للجامع.

وتفيد المصادر التاريخية أنه بفضل هذا المسجد الذي تفوق مساحته 1.382 متر مربع، والواقع غير بعيد عن قصر الباي بالضفة الشرقية لواد الرحي (واد رأس العين حاليا) بحي سيدي الهواري، تأسست مدينة جديدة تشكلت من عدة أحياء بمحيطه.

وقد تم إغلاق المسجد سنة 2009 بعد حدوث تشققات على مستوى أرضية بيت الصلاة والأعمدة والدعامات.

وفي سنة 2017 تم التوقيع على اتفاقية لترميم المسجد وقصر الباي بوهران بين مديرية التعمير والبناء والوكالة التركية للتعاون والتنمية (تيكا) وبتمويل من المجمع التركي الخاضع للقانون الجزائري “توسيالي”، غير أن المشروع ما يزال في مرحلة الدراسات التقنية، حسب المديرية المذكورة.

كما لجأت 14 عائلة تعرضت عمارتها للانهيار إلى هذا المسجد المصنف سنة 1952 وما تزال تتخذ منه مأوى لها مما يشكل عقبة لإنجاز مشروع الترميم والتأهيل.

وإلى جانب هذا الجامع هناك مسجد محمد بن عثمان الكبير، الذي تفوق مساحته 1.394 مترا مربعا، شيد من سنة 1799 بالضفة الغربية لوادي رأس العين وحولته السلطات الاستعمارية إلى مستشفى عسكري (بودانس) وطمست بعض معالمه المعمارية.

وقد تم ترميم هذا المسجد سنة 1980، غير أن الحجارة الصغيرة ما تزال تتساقط من منارته المزخرفة الرباعية الأوجه والمنفصلة عن بيت الصلاة.

كما أسس العثمانيون مسجد محمد الباي بمنطقة خرق النطاح سنة 1793، وقام المستعمر الفرنسي بغلقه ولم يسمح بالصلاة فيه إلا بسنوات قبيل اندلاع الثورة التحريرية المجيدة.

مسجد الإمام سيدي الهواري… معلم من العصر الذهبي لوهران

كان هذا المسجد في الأصل زاوية أسسها الولي الصالح محمد بن عمر الهواري (1350- 1439) بالحي الذي يحمل اسمه وشيد خلفه ضريحه الذي ما يزال إلى اليوم مزارا ومقصدا للوافدين على وهران.

وكانت الزاوية ومدرستها التي تأسست في عهد الزيانيين تقوم بتدريس العلوم الدينية وواصلت نشاطها لفترات متلاحقة. ومع دخول المستعمر الفرنسي تم تحويله إلى مخزن للعتاد العسكري ولم يستأنف وظيفته الدينية إلا بعد الاستقلال، حسب المصادر التاريخية.

وقد استفاد هذا المسجد الذي تبلغ مساحته 1.452 متر مربع من عملية ترميم في 2015.

 

جامع سيدي رمضان.. صرح جزائري شامخ منذ 10 قرون

من بين أقدم الجوامع العتيقة يوجد “جامع سيدي رمضان” الواقع بحي القصبة العتيق بمدينة الجزائر العاصمة والمصنف تراثاً عالمياً من قبل منظمة “اليونسكو” عام 1962، وتم بناؤه من قبل حكام “بني مزغنة” قبل 10 قرون خلت.

وتكشف الوثائق التاريخية عن “جامع سيدي رمضان” أن تأسيسه كان بين القرنين الـ10 ميلادي والـ11، وبني على أنقاض المدينة الرومانية “إيكوزيوم” من قبل “بني مزغنة” الذين وضعوه ضمن حدود دولتهم التي كانت ممتدة آنذاك من منطقة “باب عزون” بالقصبة السفلى إلى منطقة باب الوادي.

فيما أشارت أبحاث تاريخية أخرى، إلى أن بناءه كان في القرن الـ10 الميلادي من قبل قبائل أمازيغ، وهو ما يجعله في المحصلة واحدا من أقدم المساجد بالجزائر.

كما تشير الأبحاث التاريخية عن هذا المسجد العتيق، بأن تدشينه تم عام 362 هجرية الموافق لـ973 ميلادية في عهد بولوغين بن زيري، فيما ورد في لوحة تذكارية توجد بـ “جامع سيدي رمضان”، وهي عبارة عن رخامة موضوعة في أحد أركان مقصورة المسجد، وكُتب عليها: “بسم الله الرحمن الرحيم، تم تدشين جامع سيدي رمضان سنة 1622م”.

تبلغ مساحة جامع “سيدي رمضان” الواقع بالعاصمة الجزائرية 400 متر مربع، وطوله 32 مترا، وعرضه 12 مترا، وتصل طاقة استيعابه الإجمالية للمصلين إلى 1000 مصلٍ، وبه مئذنة واحدة يبلغ طولها 10 أمتار بالطراز المغاربي.

ويحمل سقف المسجد 18 عموداً من الحجارة، وتبعد كل واحدة عن الأخرى بنحو 3 أمتار، فيما يشد السقف 4 أعمدة بأشكال عادية تنتهي بنقوش هندسية في أعلاها.

وينقسم المسجد إلى 3 أروقة بالطول و9 أروقة بالعرض، تحت سقوف قرميدية، وبه أيضا محرابين، ويوجد به ما يعرف بـ “السقيفة” وهي رواق أو ساحة صغيرة تقود مباشرة إلى قاعة الصلاة، وبها عين تشتهر بمائها البارد طوال العام، وبه أيضا غرفة صغيرة يطلق عليها “المقصورة” بجانب المسجد، فيما يطلق عليها سكان العاصمة الجزائرية “البويتة”.

وتباين أصل تسمية “جامع سيدي رمضان” بين الباحثين الجزائريين، ومن أكثرها تداولا أن تسمية هذا الصرح الديني مشتقة من اسم أحد جنود الجيش الإسلامي الذي شارك في حملة الفتوحات الإسلامية بمنطقة شمال إفريقيا وهو القائد العربي “عقبة بن نافع”، واستقر بالجزائر إلى غاية وفاته، حيث تم دفنه بإحدى زوايا المسجد.

غير أن باحثين آخرين يقولون إن أصل تسميته يعود إلى ولي صالح يسمى “سيدي رمضان” تعود أصوله إلى ولاية بسكرة الواقعة في جنوب شرق الجزائر، فيما أشارت أبحاث أخرى بأن “سيدي رمضان” كان واحدا من علماء الحنفية والمالكية في الجلسات القضائية التي كانت تعقد في المسجد.

وخلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830– 1962)، نجا جامع “سيدي رمضان” من تحويله من قبل جنود الاحتلال إلى كنائس أو اسطبلات للخنازير والأحصنة أو مسكن لجنوده كما فعل مع كثير من مساجد الجزائر.

إلا أن سلطات الاستعمار الفرنسي قررت مصادرة أوقاف الجامع والتي قدرت حينها بنحو 50 عقارا وبناية كانت تستعمل مداخيلها في معاشات موظفي الجامع والصيانة.

ورغم كثرة المساجد، فإن كثيرا من سكان العاصمة ما زالوا يفضلون التوافد على مسجد “سيدي رمضان” خصوصاً في شهر رمضان، حيث تنظم فيه حلقات يومية للذكر، وقراءة القرآن، وصلاة التراويح والتهجد.

المسجد العتيق ببوسعادة.. حكايةٌ مثيرة مع التاريخ الجزائري

يُعرف المسجد العتيق بمدينة بوسعادة جنوب الجزائر بأسماء مختلفة، منها مسجد النخلة، ومسجد سيدي ثامر، ومسجد القصر، ويمثل المسجد الذي رُفعت دعائمه وشُيدت أساساته قبل أكثر من ستة قرون، أحد أهمّ المعالم التي تكشف بوضوح عن الجذور العريقة لمدينة بوسعادة.

ويرى بعض المؤرخين أنّ إطلاق اسم “العتيق” على المسجد، يعود إلى قِدمه، أمّا تسمية “مسجد القصر” فقد أطلقها عليه السكان لأنّه بُني على أنقاض قصر أو مركز حربيّ رومانيّ. كما أن اسم “مسجد سيدي ثامر” ربما اشتُقّ من اسم أوّل مَن سعى في إنشائه، بينما جاء اسم “مسجد النخلة”، الذي يُعرف به لدى قطاع واسع من السكان، نسبة إلى النخلة التي تتوسّطه.

وتأسّس المسجد بحسب ما تُشير إليه المراجع، سنة 1394م/ 1395م، من طرف وليين صالحين هما سيدي سليمان بن ربيعة الشريف البوزيدي بن المولى إدريس وسيدي محمد بن ثامر بن إدريس الأكبر، مؤسّس دولة الأدارسة، رفقة جمع من الشيوخ الأفاضل أمثال سيدي أدهيم، الذي كان بمثابة البنّاء، وسيدي ميمون خديم سيدي ثامر، وسيدي عطية، والولي الصالح محمد الأبيض. وتقرّر وضع أساسات الجامع بالقرب من إحدى عيون الماء، فكان أن بدأت عمليات البناء والقلوب تلهج بالدعاء للمدينة وأهلها بواسع الرزق والبركة فيه.

يقع المسجد في أحد قصور مدينة بوسعادة أو قصباتها التي تتميّز بشوارعها الضيّقة والمتعرجة، فضلا عن أنّ عددا من تلك الشوارع مسدودة النهايات، لكونها أُنشئت خصّيصاً من أجل السكن.

ويُعرف التخطيط العمراني لبوسعادة القديمة، بوجود حارات عدة، ولكلّ حارة مسجدها ومنبع المياه الخاص بها، فضلا عن وجود أبواب مصنوعة من أخشاب النخيل تفصل بين حارة وحارة. أمّا المنازل، فهي مبنيّة بالطوب. وقد كان الشارع الرئيسي بمثابة مركز مراقبة للثوّار خلال حرب التحرير الجزائرية. ويُعد القصر بمثابة المنطقة السكنية، والثقافية، والتجارية، والروحانية، في آن واحد.

ويندرج المسجد العتيق ضمن المعالم الدينية الإسلامية المهمّة في الجزائر. كما أنّه من المعالم الحضارية التي لعبت دورا بارزا في نشر القرآن وعلومه بين سكان بوسعادة، فضلا عن دوره التاريخي والجهادي في مقارعة الاحتلال الفرنسي، وهذا ما دفع السلطات في الجزائر إلى تصنيفه كمسجد وطني وتاريخي من قبل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف سنة 1993، كما صُنف من قبل منظمة اليونيسكو، معلماً أثريّاً من الآثار العربية والإسلامية.

ويتميّز مسجد بوسعادة العتيق بهندسته المعمارية الإسلامية الأصيلة، حيث يُظهر مهارة البنّائين الذين شيّدوه بطريقة توضح كيفية تعامل البنّاءُ مع الحجارة بطريقة فنيّة محترفة، إضافة إلى استعمال مواد بسيطة ذات ديمومة ومقاومة عالية للتلف والأخطار، مثل أخشاب الزيتون والنخيل والعرعار والطوب والجير، والممرّات الحجرية والمداخل والأروقة التي توحي لزوّار هذا المعلم الديني بالعراقة والأصالة.

وممّا يزيد من قداسة هذا الجامع عند الدخول إليه، سماعُ صوت ترتيل القرآن من قبل طلبة العلم، وروائح البخور التي تنبعث من داخله لتبعث في النفس مشاعر غامرة بالبهجة والراحة، ويضم المسجد العتيق رفات العمري بن الشيهب ووالده، وهما من شهداء الجزائر الذين قضوا في سبيل استرجاع الحرية.

تلمسان.. مساعٍ للمحافظة على المساجد التاريخية

توجد بعض المساجد العتيقة بولاية تلمسان في حالة تدهور وبحاجة ماسة إلى ترميم، ما دفع مديرية الشؤون الدينية والأوقاف للولاية إلى التفكير في تشكيل لجنة تتكون من إطاراتها

وبالتعاون مع قطاع الثقافة لمعاينة هذا التراث المادي وتصنيف طبيعة الترميم الذي تحتاج إليه.

فرغم استفادة بعض المساجد القديمة العديدة بولاية تلمسان من ميزانية كبيرة من سلطات البلد بمناسبة تظاهرة “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” التي نظمت من 2011 إلى 2012 ومكنت من تعزيز جزء من هذا التراث المادي، إلا أن جزء منها يوجد اليوم في حالة متدهورة تستدعي اعادة الاعتبار للمحافظة عليها وحمايتها من الاندثار.

وذكر رئيس مصلحة التعليم القرآني والتكوين المسجدي، أحمد بن جامعي أن عملية الإحصاء الأولي للمساجد العتيقة بالولاية التي جندت لها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لتلمسان الأئمة المعتمدين تبعا للتعليمة الحكومية الخاصة بذلك، أسفرت عن إحصاء 91 مسجدا عتيقا منها 26 مسجدا مصنفا بمرسوم تنفيذي.

وكان قد استفاد في إطار التظاهرة الدولية “تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية”، المسجدان الكبيران بمدينتي تلمسان وندرومة ومساجد سيدي إبراهيم وأولاد الإمام وسيدي يدون في عاصمة الولاية والمسجد العتيق لبني سنوس من عملية الترميم.

وتؤكد مديرية الشؤون الدينية للولاية أن مساجد “أغادير” و”سيدي بوسحاق الطيار” بأعالي “العباد”، في مدينة تلمسان، عبارة عن “أطلال وهما في حالة تدهور ولم يشهدا أي أعمال للصيانة”.

وتعد المساجد العتيقة بتلمسان جزءا من الموروث المادي الثقافي للمنطقة يعود تاريخ تشييدها إلى مئات السنين، وهي تؤكد الدور الاستراتيجي الذي احتلته هذه المدينة في العصور الوسطى، ولذلك فإن حمايتها هي حماية لجزء من التراث التاريخي الأثري، وبالتالي لتاريخ الولاية.

وتشير المراجع التاريخية إلى أن المسجد الكبير لتلمسان بزخارفه المعمارية قد شُيد في 1136، وقد بناه المرابطون الذين شيدوا أيضا المسجد الكبير لندرومة، أما مئذنته فقد بُنيت سنة 1236.

فهذان المسجدان وغيرهما كمسجد المشور، ومسجد سيدي الحلوي ومسجد أغادير الذي لم تبق منه سوى آثار بعض الجدران والمئذنة، ومسجد المنصورة ومسجد العباد اللذين شيدهما المرينيون منذ قرون خلت، كلها تشهد لحقب تاريخية وتحكي حضارات متميزة، بأشكالها وهندستها وتصاميمها وزخارفها ونقوشها وقببها وأروقتها وما تحتويه من قاعات ومحارب وغير ذلك.

وقد لعبت العديد من هذه المساجد دورا تاريخيا بارزا في الحياة الثقافية والحضارية لتلمسان في فترات مختلفة، فكانت مقصد العلماء والطلبة ومدارس لعلوم الفقه واللغة والأدب، وتأثرت بعوامل تاريخية كالاستعمار، إلى جانب عامل الزمن والطبيعة وإن هي اندثرت فسيندثر معها جزء من التاريخ لأنها فعلا متحف مفتوح على الطبيعة.

وبتراثها المادي التاريخي الغني وإمكانياتها الطبيعية المتنوعة، بإمكان ولاية تلمسان الترويج لهذه المؤهلات وجعلها وسيلة لتطوير التنمية وخلق الثروة وفرص العمل. كما يمكن للسياحة الثقافية والدينية أن تكون واحدة من مجالات الاستثمار والتطوير.

 

دعوة لكتابة تاريخ المساجد العتيقة لمدينة الجزائر باعتبارها جزءا من الذاكرة الوطنية

دعا الباحث في التراث الثقافي، عمر حاشي، إلى كتابة تاريخ مساجد الجزائر العتيقة واستحضار تطورها عبر مختلف الحقب التاريخية كونها جزءا من الذاكرة الوطنية.

واعتبر الباحث والمستشار في التراث الثقافي، عمر حاشي، في محاضرة سابقة له حول “مساجد مدينة الجزائر” بمقر المتحف العمومي للآثار القديمة، أن “مساجد مدينة الجزائر لها تاريخ قديم وثري، وتعتبر محطات رئيسية لرصد تطور المجتمع الجزائري عبر مختلف الحقب، وهي أيضا صفحة من صفحات الذاكرة الوطنية التي يجب أن نستجمع عناصرها الثقافية والمعرفية والإنسانية”.

وتحدث حاشي، عن أهمية المساجد القديمة في نسيج مدينة الجزائر باعتبارها مؤسسة دينية واجتماعية وثقافية أيضا، مشيرا إلى وجود بقايا أركيولوجية هي شواهد على أجمل مساجد الجزائر وأبرزها من حيث المعمار والهندسة على غرار مسجد السيدة بالقصبة السفلى.

وأكد المتحدث أن “خريطة المساجد في المدينة قبل 1830 كانت تشير إلى وجود 122 مسجدا وجامعا، ناهيك عن المصليات وبعض الأضرحة التي كانت تتوفر على جناح خاص بالعبادة”، مضيفا في نفس السياق أن “هذا الرقم تراجع بعد دخول المحتل الفرنسي حتى أصبح العدد 40 مسجدا وجامعا فقط”.

وأردف موضحا بأنه منذ وصول فرنسا إلى مدينة الجزائر “انحصرت المساجد في ثلاثة أحياء كبرى أو أزقة رئيسية تقع بين باب الوادي وباب عزون وشارع البحرية، حيث كانت أجمل المساجد وأقدمها”، مؤكدا في نفس الوقت على أن فرنسا الاستعمارية “أخلفت المواثيق والعهود حينما شرعت في تهديم وتغيير ملامح مدينة الجزائر فبدأت بأماكن العبادة بشق طرق جديدة وتشييد بنايات على حساب النسيج العمراني الأصيل”.

وشدد الباحث على أن “فرنسا هي من دمرت أغلب المساجد، ثم تليها الكوارث الطبيعية المتتالية التي ضربت العاصمة (زلازل 1365 و1696 و1716)”، مشيرا إلى أن مدينة الجزائر تحصي اليوم “10 مساجد قديمة فقط”، حسب حاشي، “تتوزع على ما يسمى اليوم بالقصبة، المتربعة على مساحة 50 هكتارا”.

ل. ب