واحدة من أبرز الملاحم التاريخية

معركة الأغواط.. مجزرة من أبشع صور سياسة الأرض المحروقة

معركة الأغواط.. مجزرة من أبشع صور سياسة الأرض المحروقة
  • الذكرى 172 لمقاومة مستميتة في وجه أسلحة دمار الاستعمار الفرنسي

 

يعد احتلال جيش الاستعمار الفرنسي لمدينة الأغواط يوم 4 ديسمبر 1852 واحدا من أبشع صور سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها فرنسا الاستعمارية والتي استعملت فيها موادا كيميائية سامة، حسب ما جاء في تصريحات أحد المؤرخين بالأغواط.

 

غازات سامة وقذائف معبأة بالكلوروفورم

وذكر المرحوم المجاهد لبتر مداني، في شهادته أن أول استخدام لمصطلح ”الهولوكوست” كان بعد المعركة التي دارت على محيط المدينة بضفاف وادي مزي، وهذا بعد استخدام قوات الاحتلال الفرنسية لقذائف معبأة بالكلوروفورم، وهي مادة كيميائية سامة تصبح قاتلة حينما يتم إعدادها بنسب مركزة، إذ تؤدي بكل من استنشقها إلى تهيج الرئة، وتُحدث التهابات حادة في أنسجتها، مما يسبب اندفاع كميات متزايدة من السوائل الجسمية التي ينقلها الدم إلى الرئتين لتحدث اختناقًا شديدًا يؤدي إلى موت الضحية.

هذا القصف الكيماوي الذي نفذه المستعمر في حق ساكنة الأغواط ومقاوميها – والذين كان يقودهم أبرز قادة المقاومة الشعبية في الجزائر وهم كل من ابن ناصر بن شهرة والشريف بن عبد الله والتلي بلكحل، في حين أن القوات الفرنسية كانت بقيادة الجنرال بيليسي والجنرال بوسكاريل والجنرال جوسيف-، أدى إلى مقتل أزيد من ثلثي سكان المنطقة فورًا، نتيجة استنشاق الغازات السامة، وقدر عدد الضحايا بـ 2500 شهيد من مجموع 3500 نسمة من سكان الأغواط في تلك الفترة.

مقاومة باسلة رغم قلة الإمكانيات

وبعد تلك المعركة الطاحنة التي أبانت من خلالها عن مقاومة قوية وعتية رغم قلة الإمكانيات في وجه جيش مدجج بالجانب المادي والبشري، دخل جنود الاحتلال إلى المنطقة فوجدوها متناثرة بالجثث والموتى في كل مكان، وقضوا على كل مصاب أو في طور الاحتضار، حيث سجل العديد من المجندين الفرنسيين المشاركين في المجزرة في شهاداتهم، استغرابهم للطريقة غير المألوفة لهم التي قضي بها على ساكنة الأغواط بسبب هذا السلاح الكيماوي، حسب ما أفاد به الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة عمار ثليجي بالأغواط، الدكتور عيسى بوقرين في تصاريح سابقة.

واعتبر مؤرخون أن استخدام القوات الفرنسية لهذه الطريقة غير الإنسانية كان السبيل الوحيد لإسقاط المدينة، حيث أنها كانت محصنة جيدا بسور يحيط بجوانبها الأربعة كانت بها سبعة أبواب يتواجد خلفها رماة يصعب اختراقهم، إلا أن استخدامهم للمدافع وقذائف الكلوروفورم هو ما عجل بسقوط المدينة والتي كانت هدفا حقيقيا للمستعمر نظرا للموقع الاستراتيجي لها كبوابة لولوج فرنسا إلى الصحراء الجزائرية من أجل بلوغ مبتغى الاستثمار في الثروات الطبيعية الباطنية للجنوب.

 

مذكرات شاهدة بمتحف الأغواط

هذا، ويحتوي متحف المجاهد على مجموعة من المذكرات لضباط فرنسيين حول مقاومة الأغواط أبرزها تلك التي جاء فيها “عندما أخفينا كل الموتى لم يبق أحياء في المدينة إلا عساكر الحملة، كل البيوت كانت فارغة من أفقرها إلى أغناها، كانت كمدينة هجرت.

وفي رحاب هذه المدينة السوداء الصامتة تحت أشعة الشمس، شيء يوحي أني داخل إلى مدينة ميتة وبموت عنيف. كانت المجزرة رهيبة، المساكن والخيم والأزقة والطرقات مليئة بجثث الموتى، تم إحصاء أكثر من 2500 قتيل بين رجال ونساء وأطفال، لقد كان لزامًا لفرنسا هذا الهولوكوست لتثبت عظمتها للقبائل المحاربة في الصحراء”.

 

“عام الخلية” و”عام الشكاير”

وخلفت المجزرة صدمة عميقة في أوساط ساكنة مدينة الأغواط الذين لا زالوا يعانون من آثارها إلى اليوم، حيث تعرف بـ “عام الخلية” (أي ما يعني سنة إفراغ مدينة الأغواط من ساكنتها)، كما تعرف أيضا بـ “عام الشكاير”، في إشارة إلى الطريقة التي وضع بها الرجال والأطفال وهم على قيد الحياة في أكياس الخيش والإلقاء بهم في حفر الخنادق، وفق ما ذكره أساتذة في التاريخ.

وكانت النساء اللائي بقين على قيد الحياة في حالة من الخوف الشديد على أطفالهن الصغار الذين تعتقلهم القوات الفرنسية، ولم يجدن طريقة لحمايتهم من هذه الوحشية سوى إخفائهم بالتمويه، وذلك بإلباس الذكور ملابس الفتيات ووضع أقراط على أحد الأذنين، حيث ظل الأمر تقليدا في المنطقة لحماية الأولاد الصغار مما يعتقد أنه “شر”، بارتداء حلق حتى اليوم.

ق. م