وقفة من وقفات الشموخ والتصدي

معركة الجرف التاريخية.. أيام من الصمود البطولي

معركة الجرف التاريخية.. أيام من الصمود البطولي

تعد معركة الجرف من أشهر وأكبر معارك الثورة التحريرية، وهي التي خاضها المجاهدون الأحرار في قلعة الجرف ضد القوات الاستعمارية الفرنسية، في فجر الـ22 سبتمبر 1955، وحسب المصادر التاريخية، فإن المعركة بدأت بقصف مدفعي مكثف كتمهيد لتقديم وحداتها، واقتربت كتيبة دبابات يتبعها فيلق مشاة من اللفيف الأجنبي باتجاه المدخل الشمالي لمدينة الجرف.

ترقب المجاهدون اقتراب القوات الفرنسية من المدخل، وبمجرد حدوث ذلك نفذت الخطة من طرف المجاهدين، حيث تم إحراق الدبابتين الأماميتين وعطب أربعة آخرين، وكان الالتحام بالقوات الاستعمارية عن كثب بحيث لم ينج من فيلق المشاة إلا عدد قليل. وفي الجولة الأولى للمدخل، تقهقرت قوات الاستعمار خائبة وغنم المجاهدون كميات هائلة من الأسلحة الأتوماتيكية التي بقيت منتشرة بجانب الجثث المرمية. وغنم المجاهدون كميات أخرى من الأسلحة الأتوماتيكية الخفية، وتم عطب 18 وإحراق البعض منها بالجبهة الشمالية.

 

مجاهدون يضربون بالثقيل وتقهقر في القوات الفرنسية

قدمت أسراب من الطيران المقاتل مركزة قصفها على موقع الجرف، وتواصل القصف المكثف حوالي نصف ساعة حاولت القوات الاستعمارية التقدم على الجبهات الثلاثة، فاستدرجت في تقدمها تبعا للخطة الثورية المتبعة، فنشبت المعركة على أشدها بين الجانبين لمدة ثلاث ساعات متتالية.
مما أجبر القوات الاستعمارية على التقهقر، محاولة نجدة قواتها فاصطدمت بقوات المجاهدين المحاصرين للعدو، فأصبحت المعركة بين جبهات متعددة جبهة المجاهدين بموقع الجرف، هجوم استعماري مقابل تطويق من وحدات المجاهدين ضد القوات الاستعمارية المشتبكة مع الجبهة الأولى، اشتباك ثاني لصد نجدات العدو الملحقة.

 

الإيمان بالقضية في مواجهة القصف الجوي والمدفعي
في حين اليوم الثاني من المعركة في الصباح الباكر بدأت القوات الاستعمارية بالقصف طويل المدى بطائرات بناحية الدرمون شرقا والطائرات الثانية بالسطح غربا، ومجموعة الطائرات رقم ثلاثة تمركزت شرق رأس العش. وفور انتهاء القصف طويل المدى انطلقت مدفعية الهاون في القصف كطريقة لستر تقدم الوحدات واقترابها من مرابطي القلعة ”المجاهدون”، ثم اشتعلت النيران على أشدها. وقدمت نجدة من المجاهدين الأشاوس الذين تدفعهم قوة الإيمان بقضيتهم، وفك الحصار عن إخوانهم.
وفي اليوم الثالث من المعركة في فجر مبكر حاولت القوات الاستعمارية التقدم على جبهات ثلاثة تحت ستر مظلة مدفعية، اقتربت من مواقع الجرف أين اشتعلت النيران بين الطرفين على أشدها لمدة أربع ساعات، لم تستطع التقدم واضطرت إلى التقهقر خلف منطقة العمليات بقليل وابتدأ القصف الجوي بواسطة أسراب من الطائرات المعززة سرب وراء سرب، وابتدأت بقصف مكثف على موقع الجرف في الجبهة الجنوبية لمنطقة المعارك ثم إسقاط طائرة استطلاعية من طرف المجاهدين، ثم انتقل القصف للسلاح الجوي وأسقطوا طائرتين مقاتلتين بمنطقة العمليات، وتغير الموقف إثر سقوط الطائرات الثلاثة، والتحقت نجدات جوية مكثفة غطت كامل منطقة العمليات.

ابتعد سلاح الجو عن موقع الجرف في اتجاه تركيز قنبلته، على سلسلة وادي مسحالة ووادي هلال، البياضة، جبل العلق، الجديدة وتدخل سلاح المدفعية والهاون مركزا قصفه على موقع الجرف كخطة تمهيدية وإيقاف تقدم قوات العدو فور اقترابها من مرابطي الجرف اشتعلت النيران على أشدها لمدة أكثر من ساعتين متتاليتين أجبرت القوات الاستعمارية على التقهقر منكسرة تاركة في الجبهة الشرقية دبابتين تشتعلان نارا، وثلاث مصفحات تشتعل نارا أيضا، منها عربة القيادة التي فر منها قائد العمليات تحت وابل من نيران المجاهدين. أما في اليوم الرابع من المعركة، فحاولت القوات الاستعمارية التقدم تحت مظلة المدفعية والهاون في الصباح الباكر على الجبهات الثلاثة فور اقترابها من مواقع الجرف، اصطدمت بوحدات من المجاهدين المتقدمة التي تم توزيعها وأخذها وبذلك وقعت القوات الاستعمارية في فخ لم تكن تتوقعه وضربت في الجهات الثلاثة ضربا جد قاسيا مخلفة المئات من القتلى، والجرحى كجثث متناثرة في ساحة المعركة. فأصيبت القيادة الاستعمارية بذهول وقربت على إفلات زمام الأمور من يدها، سادها الارتباك المتمثل في الكر والفر لوحدات المجاهدين الملحقة في اللحظات الحاسمة.
وتدخلت مدفعية العدو بقصف مكثف على منطقة العمليات، وخارجها تدخل سلاح الجو على الجبهة الجنوبية موسعا قصفه إلى حليق الديب، مساحلة، وادي هلال، أم الكماكم، مركزا قصفه على منطقة جبل البطنة الواقع غرب وادي هلال وأعالي جبل أم الراجمة والبياضة، لأن استطلاع العدو كشف تحرك وحدات المجاهدين في اتجاه تنفيذ الخطة تبعا لتقدير موقف قيادة المجاهدين.

المجاهدون الأشاوس يربكون قوات الإستعمار
وقد شاهد المراقبون من المجاهدين المكلفين بالاتصال والأخبار ارتباكا شديدا في صفوف تجمعات القوات الاستعمارية في مناطق تجمعاتها. كما تم توزيع وحدات المجاهدين ليلا وأخذهم لمواقعهم استعدادا لليوم الخامس للمعركة، ثم إرسال دوريات انتحارية لكشف مدى قوة العدو في مراكز تجمعاته المنتشرة على الجبهات الأربعة المحيطة بمنطقة الجرف، والاتصال بوحدات المجاهدين في الخلف بقمم جبال العلق، الجديدة، والاتصال بالدوريات لتأمين الخطوط بخناق الأكحل، وجبال كميل (أريس) لطلب نجدات المجاهدين وتأهبها لتنفيذ الخطة المتفق عليها.
التحقت معلومات عن طريق الدوريات العائدة من مهمتها أن قوات استعمارية جد كبيرة قدمت من باتنة وتلاغمة، سطيف، بريكة، بوسعادة وبسكرة، تمركزت على طول الخط الفصل بين جبال أوراس وجبال النمامشة كحصار على طول خط وادي عبدي ووادي العرب بهدف قطع الاتصال بين وحدات المجاهدين.
وفي اليوم الخامس من المعركة قامت القوات الاستعمارية بقصف مدفعي مركز على منطقة الجرف، وقمم الجبال المجاورة على فترات ثلاثة متتالية تتبعها قصف جوي شامل غطى كامل منطقة العمليات والمناطق المجاورة لها.

التزم المجاهدون أماكنهم في صمت حوالي العاشرة صباحا، حاولت القوات التقدم من الجبهات الثلاثة، وأحدثت جبهة رابعة من الناحية الغربية، منطقة تجمعاتها بالسطح. ثم اقتربت القوات الاستعمارية من مرابطي المعركة الصامدين والمؤمنين بعدالة قضيتهم وكذا الراغبين في الاستشهاد بدافع حب الجهاد في سبيل اللّه.

 

انتصارات متتالية لمن عقدوا العزم على دك حصون المستعمر

سجلت هزيمة شنعاء تجاه القوات الاستعمارية، مما رفع من معنويات المجاهدين، ولكن سجل استشهاد العديد من الشهداء والجرحى ثم إخلاؤهم إلى المراكز المعدة للعلاج الأولي ودفن الشهداء. وتواصلت المعركة لغاية اليوم الثامن، ودائما كان المجاهدون يحققون انتصارات على العدو. بالرغم من عددهم القليل، إلا أن إيمانهم بالاستقلال كان قويا.

لمياء بن دعاس