اللوكس، تامغوت، مارينيو، فارييتي، الروكسي، لوفرنسي، دنيا زاد، لوباري وغيرها أسماء قاعات سينما جزائرية لطالما صنعت فرجة محبيها من الجزائريين عامة والعاصميين على وجه الخصوص، بعرضها لأجمل ما أنتجته
استوديوهات السينما العالمية خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ليتحول حالها من مكان يزدحم فيه محبو السينما إلى مكان يزدحم فيه العشاق، فأصبحت جزء من ذاكرة العاصمة وتراثها.
تشهد قاعات السينما في الجزائر وضعية مزرية، وتبقى اللغز المحيّر الذي استعصى حله من طرف أغلب الوزراء المتعاقبين على قطاع الثقافة، فبين القاعات المغلقة والتي هي قيد الترميم، يبقى عدد القاعات في مدينة الجزائر العاصمة الذي ينشط بصفة دورية قليل جدا مقارنة بمكانة العاصمة وتمركز كل النشاطات الثقافية فيها، فبالرغم من تواجد عدد قليل من هذه القاعات إلا أنها مخصصة لفئة قليلة ومعينة من الجمهور، في حين يبلغ العدد الكلي للقاعات عبر كامل القطر الوطني 320 قاعة لا تنشط منها سوى 96 قاعة و59 منها تابعة لوزارة الثقافة.
رغم أن الجولة الاستطلاعية التي قمنا بها اقتصرت على الجزائر العاصمة فقط، إلاّ أن وضعية قاعات السينما عبر كامل القطر الوطني هي نفسها، فحسب تصريحات إعلامية لبعض المسؤولين، فإن عدد القاعات الناشطة في الوطن لا يتعدى 96 من أصل 320 قاعة، ويكمن المشكل حسب نفس المسؤولين في البلديات التي رفضت التخلي عن تسيير هذه الهياكل بالنظر لعوائدها المادية، لكن من جهة أخرى لم تقم بأي جهد من أجل ترميمها، أو إعادة الاعتبار لها، إلا في حالات نادرة. ومن هذا المنطلق تسعى وزارة الثقافة لاسترجاع حق تسيير قاعات السينما، لتضيفها إلى قائمة الـ59 قاعة التي تسيرها حاليا، والتي تخضع منها 40 قاعة للترميم.
قاعات تتحول إلى أطلال
قادتنا جولتنا الاستطلاعية إلى الوقوف على حالة العديد من قاعات السينما في العاصمة، حيث ما تزال هياكلها شاهدة على تاريخ السينما في الجزائر، وعايش الجزائريون آنذاك أجمل ما جادت به السينما العالمية، وجدنا بقايا ..آثار ..أطلال أو أماكن مهجورة يختلف الوصف أو التسمية ولكن المقصود واحد.. هي قاعات مهجورة ومهدمة لم تحتفظ إلا باسمها.
قاعة ”دنيا زاد” الشهيرة والمتواجدة بشارع عبان رمضان وسط العاصمة، التي اشتهرت بـ ”الموزيكول” وهي عبارة عن حفلات فنية تقدم تمثيليات قصيرة وأغاني نظمت بها في السبعينيات والثمانينيات، وقاعة ”رويشد” بحي باب الوادي مهجورة .. سينما المغرب أو “مارينيو” كما يحلو للبعض تسميتها إحدى الصور للواقع المأساوي للفن في الجزائر، هذه القاعة التي تقع بقلب شارع باب الوادي الشعبي في العاصمة أغلقت أبوابها منذ أكثر من 15 سنة بعد أن تعرضت للحرق من قبل مجهولين أضرموا النار بداخلها، وتحولت خلال دقائق إلى رماد. ..نفس الأمر يتكرر بقاعة “فارييتي” التي لم تستطع الصمود خلال العشرية السوداء وانطفأت أضواؤها سنة 1993، ولم يبق منها إلا ذلك الباب الحديدي الذي يغطي أطنانا من الركام والجدران المهدمة، ونبتت فيها مختلف الحشائش والأشجار وأصبحت ملجأ لأحد المشردين، وأعرب السكان المجاورون عن أسفهم على حالة القاعة التي كانت تمثل “لمة “لأصحاب الحي لسنوات، وتحولها اليوم إلى لمة للفئران والحشرات المختلفة التي تطارد السكان وتلاحقهم إلى أعالي العمارة.
مكان مشبوه يتوافد عليه المراهقون
حاولنا الدخول إلى إحدى قاعات السينما في العاصمة بدافع الفضول بعد مشاهدتنا لتلك الأعداد المعتبرة من الأزواج أو العشاق، كما يطلق عليهم، تقدمنا إلى الشباك لنسأل عن العرض المقدم فأخبرنا الموظف أن دخولنا يقتضي أن “نكون مُرفقين بشاب”، ويتم كلامه بسخرية “روحي ولي منين جيتي”، بقدر تفاجئنا بالرد، بقدر ما زاد إلحاحنا على الدخول، مع إخفاء هويتنا المهنية عنه، وبعد إلحاح دام نصف ساعة وأكثر وافق على دخولنا، فأخذنا تذكرة تبلغ قيمتها 100 دج للشخص الواحد.
وعند دخولنا رأينا عشاقا لم يجدوا لهم مكانا غير مؤسسة رسمية تحت رعاية وزارة الثقافة للقيام بممارسات لا أخلاقية، ولم يقتصر الأمر على الشباب بل تعداه للمراهقين الذين لم تتعد أعمارهم الرابعة، دخلنا القاعة ووجدنا المكان مظلما ظلاما حالكا لا يمكنك أن ترى شيئا، الكل يستعمل ضوء هاتفه للإنارة واختيار مكان يجلس فيه رفقة صديقته، اخترنا مكانا للجلوس والفيلم المعروض هو فيلم “أكشن” تم عرضه مرارا على القنوات الفضائية بمعنى أن مشاهدته لا تستدعي الذهاب للسينما، وهو ما يؤكد أن سبب دخول السينما لم يعد لمشاهدة الأفلام بقدر ما صار لتحقيق الرغبات الجسدية بعيدا عن الأنظار، وهو ما شاهدناه خلال تواجدنا هناك، فالحضور كان مقتصرا على العشاق من الشباب والمراهقين الذين لم يدركوا حتى عنوان الفيلم المعروض، واستمروا على تلك الحال حتى نهاية العرض وإنارة الأضواء على واقع شباب ضاقت بهم السبل ولم يجدوا إلا قاعات السينما، وعند خروجنا من القاعة قابلنا نفس المشهد مراهقين ينتظرون دورهم للدخول وبأعداد كبيرة.
“تعليمة وزارة الثقافة لم تطبق بعد”
قالت السيدة بن غالية مهدية، نائب رئيس بلدية الجزائر الوسطى مكلفة بالثقافة والتربية والسياحة والصناعات التقليدية، إن قاعات السينما التابعة لبلدية الجزائر الوسطى يبلغ عددها 11 قاعة منها خمس قاعات في حالة نشاط، وهي “ديبوسي”، “عمر الخيام”، “الجزائرية”، “الكازينو” و”سيبيسي”، باستثناء سينما “لوباري” التي كانت محل نزاع قانوني بين البلدية ومالكها وتم استرجاعها حديثا من قبل البلدية، وهي حاليا في حالة ترميم. أما القاعات الأخرى، فهي ما تزال محل نزاع وهناك أخرى تابعة للخواص ولا دخل للبلدية في تسييرها. وقالت بن غالية إن تعليمة استرجاع الوزارة لقاعات السينما من البلدية كانت منذ فترة الوزيرة خليدة تومي، والوزير ميهوبي قام بإحياء التعليمة لكنها لم تطبق بعد.
عقود الكراء قديمة ومدة صلاحياتها 99 سنة
كشف مدير التعمير لبلدية الجزائر الوسطى، رشيد أغبريون، أن البلدية قد تخلت عن المتابعات القضائية بعد إشعارها برغبة الوزارة في استرجاعها، مشيرا إلى وجود قاعات مغلقة ما تزال محل نزاع قانوني بين البلدية ومالكيها منها قاعة “الشهاب”، أما قاعة “جرجرة” فقد كان هناك مشروع لوزارة الثقافة بغرض استرجاعها من البلدية، لكن لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
وأكد مدير التعمير أن هناك 6 قاعات مغلقة حاليا على مستوى الجزائر الوسطى يسيرها الخواص بعقد كراء من البلدية، هناك 5 فقط تابعة مباشرة للبلدية وهي في حالة نشاط بعد إخضاعها لعمليات ترميم، أما البقية فهي تابعة للخواص، منها قاعة “دنيا زاد” التي كانت ملكا لزوجة الراحل هواري بومدين.
وأوضح السيد أغبريون أن القاعات التي تم كراؤها من قبل الخواص يصعب استعادتها، ذلك أن عقود الكراء قديمة ومدة صلاحيتها 99 سنة، وقرار استرجاعها يعود هنا للرئاسة.