مع استمرار تدني القدرة الشرائية … دفاتر “الكريدي” تعود من جديد

مع استمرار تدني القدرة الشرائية … دفاتر “الكريدي” تعود من جديد

عادت ظاهرة انتشار دفاتر “الكريدي” على مستوى محلات بيع المواد الغذائية إلى الظهور مجددا، أمام تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وبشهادة بعض التجار فإن المواطن اليوم أصبح يكمل شهره بالاقتراض بعد 15 يوما من استلامه راتبه الشهري.

عرفت أسعار مختلف المنتجات مؤخرا ارتفاعا محسوسا، أين وقف المواطن البسيط عاجزا عن تلبية كامل حاجيات أسرته، سيما من فئة الدخل المحدود التي تتراوح رواتبهم ما بين 18 و30 ألف دينار التي وحسب البعض فإن الراتب لا يغطي أكثر من أسبوعين، حيث يجدون أنفسهم أمام تسديد إيجار المسكن وتلبية احتياجات الأسرة، من مأكل وملبس ودواء.

وأمام هذه الزيادات المفروضة في مختلف المنتجات، وانخفاض القدرة الشرائية، وجد الموظفون خاصة من أصحاب الدخل المحدود أنفسهم بين خيارات إكمال الشهر بالاقتراض أو اللجوء إلى دفتر “الكريدي” عند محل الحيّ، وهو ما يحدث باستمرار مع “حميد” الذي لا يتجاوز راتبه الشهري 25 ألف دينار، أين يلجأ مع نهاية الشهر إلى أخذ مختلف المواد الغذائية والخضر والفواكه من محل بيع المواد الغذائية وتسجيلها في دفتر خاص يحمل اسم المعني ومختلف اللوازم التي اقتناها مع وضع سعر كل منها والمبلغ الإجمالي في الأخير، وحرصا من بعض التجار الذين يخشون السرقات، فإنهم يلجؤون إلى وضع التاريخ الذي يقتنى فيه كل غرض حتى لا يحدث أي سوء تفاهم عند التسديد.

 

التقسيط.. طريقة أخرى لأصحاب الدخل المحدود

أصبح الشراء بالتقسيط خلال السنوات القليلة الماضية عادة ارتبطت ارتباطا وثيقا بمجتمعنا الجزائري، حيث لا يوجد محل إلا وتجده يعرض سلعه بصيغ متنوعة للتقسيط، تمتد من شهر إلى سنة وقد تصل أحيانا إلى سنوات عديدة خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالسيارات والعقارات. ولعل المتمعن في المجتمع الجزائري يجده قد اتخذ من التقسيط أو الشراء بالكريدي أو مثلما يسميها البعض المرابحة شيئا من الضروريات التي تطبع يومياته، ويرجع البعض السبب في ذلك إلى ضعف القدرة الشرائية أو إلى الطبيعة النفسية للمشتري أو غيرها من الأسباب الأخرى التي ترى فيها الأسرة الجزائرية ملاذا لها خصوصا الفقيرة والمتوسطة الدخل التي تعجز عن دفع مبالغ كبيرة جراء اقتناء أحد حاجياتها. ولعل استفحال الظاهرة التي طغت بصورة كبيرة على مجتمعنا، جعلتنا نقف عندها للتمعن في أبعادها وكذا الظروف والأسباب المؤدية لها.

 

إغراءات وحوافز بالجملة

تضع مختلف المحلات حوافز وإغراءات أمام زبائنها من أجل كسب أكبر قدر ممكن من الأرباح، خصوصا في ظل ضعف القدرة الشرائية لأغلب الجزائريين، فنرى الناس يتهافتون ويتكالبون على المحلات التي تعرض خصومات وتخفيضات وتلك التي تستعمل صيغ البيع بالتقسيط متخدة من  ظروف الناس واحتياجاتهم سببا للرفع من أسعار السلعة إلى غاية الضعف أحيانا للاستفادة من الفترة التي يتم خلالها استلام السلعة.

 

“الكريدي” لتأثيث البيت أيضا

أكد لنا السيد مراد عامل في أحد المصانع أن زوجته كثيرة الطلبات، وهي غالبا ما تقارن وضعهما بوضع أختها، وهو ما دفعه الى التدين في مرات عديدة من أجل إرضاء رغباتها، مضيفا أنه وجد في الشراء بالتقسيط حلا وأمرا أسهل حتى وإن كان سعر ما يتم اقتناؤه أكثر إذا ما تم حساب الفرق. ولم تختلف السيدة أم هاني عن رأي مراد، حيث أكدت أنها ومنذ تواجد محلات البيع بالتقسيط، لم تعد تعاني من مشاكل في اقتناء ما تحتاج وما تريد، وأضافت وبحكم عمله في قطاع التعليم، فإن ذلك ساعدها كثيرا في تغيير أثاث البيت والاستفادة من سيارة بصيغة التقسيط، حيث يسمح الانتساب إلى النقابة الوطنية للتربية من  اقتناء أجهزة كهرومنزلية وذلك باعتماد آلية الاقتطاع الآلي للأجور، وهو الأمر ذاته بالنسبة للسيارات بكل أنواعها.

 

هروب نحو التقسيط أوقعها في المشاكل

السيدة حليمة حالة من الحالات الكثيرة التي أنهكها التقسيط والتي كانت تظن بأنها ستوازن بين مصاريفها اليومية وبين ما تحتاجه، خصوصا وأنها كانت مقبلة على الزواج مما زاد من مصاريفها، فلجأت تارة إلى التدين من أصدقائها وأقاربها وتارة أخرى لم تجد من ملاذ سوى الفرار نحو محلات البيع بالتقسيط من أجل إتمام جهازها وكذا من أجل شراء ما تبقى من فرش البيت، وهكذا تراكمت عليها الديون وعلى زوجها الذي لم يتوان هو الآخر في شراء ما يحتاجه من أجل بناء عش الزوجية من محلات البيع بالتقسيط والتدين من زملائه وأهله، وما كان لحليمة وزوجها سوى الاستسلام لواقع لم يفرضه عليهما أحد سوى الظروف المعيشية وغلاء الأسعار وانخفاض قدرتهما الشرائية ليواجها 3 سنوات أسمتها حليمة سنوات الجحيم عوض من كونها سنوات العسل و ذلك لأنها قضت كل تلك الفترة هي وزوجها يكدان في العمل من أجل إتمام دفعات مشترياتهما التي بلغت أكثر من 30 مليون سنتيم، خصوصا وأن راتبيهما معا يتعدى 50 ألف دينار.

 

أرفض التقسيط في أشياء أعتبرها كماليات

سليم عامل في إحدى المؤسسات الخاصة، مقبل على الزواج نفى أن يكون فد اتخذ من الشراء على دفعات وسيلة يقضي بها مقتنياته، وبرر ذلك كون الشراء بالتقسيط عبارة عن “ربا” يهدف من خلاله تقسيم الدفعات على فترات “مربحة “، وأضاف أنه إضافة إلى كونها “حرام” فهي أيضا عبء اقتصادي على المشتري الذي تجعله حبيسا لما اشتراه من كثرة الديون المتراكمة.

يرى علماء الاجتماع أن التوجه الكثيف نحو التقسيط ولدته الحاجة والرغبة البشرية في الاقتناء، وذلك لا يخرج عن الإطار الطبيعي للنفس البشرية الطامعة دوما في الحصول على المزيد، غير أن التقسيط و رغم تبعاته الاقتصادية على المشتري والتي قد تكون سلبية أوجد لنفسه لدى الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل فضاء لينمو و يتربع. ولا ينفي علماء الاجتماع سلبية التقسيط على الأسرة التي قد تصل أحيانا إلى تفككها بسبب النتائج السلبية له، رغم كونه وسيلة سهلة تمكن من ليسوا قادرين على اقتناء ما يلزم على دفعة واحدة.

ق.م