الحقيقة أن مرحلة المراهقة هذه تكمن خطورتها بين التهويل والتهوين، فهناك من يهول من طبيعتها وينجرف وراء الحداثة والفلسفات التي تم تفريخها في بيئات وأوساط وتقاليد ومعتقدات تختلف تماماً عما هو موجود في مجتمعاتنا ولا تتفق مع ديننا وهويتنا وطبيعة ظروفنا فيُطلق للشاب العنان، فلا تراه إلا أهوج مُستهتراً يتسم بالسلبية والسطحية واللامبالاة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ولا على اتخاذ القرار المناسب ولو في أبسط الأمور فيورط نفسه وأهله في مشكلات سلوكية وأخلاقية واجتماعية لا قِبل لهم بها.
وعلى الجانب الآخر نجد من يُهوِّن من طبيعة مرحلة المراهقة ولا يُبالي بصاحبها تحت مُسمى العادات والتقاليد وما ورثناه عن الآباء والأجداد فتراه يفرض الوصاية الكاملة على الشاب ويُحمله من المسؤولية ما لا يطيق أو يُضيق الخناق على ميوله وتصرفاته ويُحجِّمها فما نجد الشاب إلا تابع إمَّعة يتسم بالاستسلام والخنوع والتسليم للواقع المفروض عليه وهذا أيضاً يكون كالبركان الخامد الذي يُتوقع انفجاره في أي لحظة وحينها يُلقي بحُمم تأتي على الأخضر واليابس بل لا تبقي ولا تزر.
ولأن ديننا هو دين الوسطية والاعتدال فلا يجب أن نعتمد هذا ولا ذاك – لا التهويل ولا التهوين – بل لابد وأن نعطي الشاب قسطاً من الحرية ومساحة من التصرفات الخاصة التي بها يبني شخصيته ويثبت ذاته ويكون علاقاته ويرسم خطاه المستقبلية…. إلخ. على أن يكون ذلك كله مصحوباً بالإرشادات والتوجيهات والنصائح المُغلفة بالحكمة والتريث وفي جو من المحبة والتفاهم والانسجام والتقدير المتبادل. حينها نرى شاباً يَسُر الناظرين، يَعي ما يقول ويُدرك مرامي ما يفعل، خطواته ثابتة نحو هدف مدروس جيداً، يضع الأمور في نِصابها وفي موضعها الصحيح، يعتز بنفسه ويُعلي قدر أهله وحريصاً على نفع الجميع حسب إمكانياته، لا يعد بما لا يستطيع ولا يتوعد بما لا يقدر عليه. كل ذلك في سياج من العفاف والتقوى وحسن تقدير الأمور وتحمل المسؤولية. إن ذاكرة التاريخ الإسلامي زاخرة بنماذج من الشباب الذين كانوا فيما نسميه الآن سن المراهقة وبالرغم من ذلك فعلوا ما ربما يستعصى على غيرهم من الرجال في العلم والعبادة والجهاد وفي كل المجالات على مر العصور.