لقد مضت أيام الإجازة وانقضت، والأيام إذا انصرفت لا تعود، وها هي الدراسة قد أقبلت، ولعلنا نقف مع بدء هذا العام الدراسي وقفات مع الشركاء في أركان العملية التعليمية. الوقفة الأولى مع أولياء الطلبة: يا أولياء الأمور، أنتم شركاءُ للمدرسة في مسؤوليتها، فليست مسؤوليتَكم توفيرُ الدفاتر والأقلام فقط، ولكن دورَكم أعظمُ وأكبر. احرصوا على إرضاعهم الأدب قبل العلم، فلا قيمة للعلم بدون أدب، فهذه أم الإمام مالك رحمه الله ورحمها لما كان صغيرًا ألبسته أحسن الثياب ثم قالت له: يا بني، اذهب إلى مجالس ربيعة واجلس في مجلسه، وخذ من أدبه قبل أن تأخذَ من علمه. ويقول الإمام الشافعي رحمه الله وهو تلميذ للإمام مالك: يقول: “كنت أُصَفِّحُ – يعني أقلب – الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحًا دقيقًا هيبة له؛ لئلا يسمع وقعها “، وهذا الربيع بن سليمان رحمه الله وهو من تلاميذ الشافعي يقول: “والله ما تجرأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له “، معاشر الأولياء، الله الله في حقوق المعلمين والمعلمات، اغرسوا في نفوس أبنائكم حبَّ معلميهم واحترامَهم وتقديرَهم. وإن أخطأ معلم فلا ينبغي هتكُ ستار الهيبة والاحترام الذي له؛ لأن في إهانة المعلم إهانة للعلم والتعليم. فإذا أحس أحدنا خطأً من معلم فالواجب الذهاب إليه ومناصحتُه؛ مع بقاء مكانته.
أعينوا أبناءكم على مشاقّ العلم ومتاعبه، فهذا سفيان الثوري العالم المشهور لما كان صغيرًا وقد توفي والده وله إخوة رأى أن يترك العلم والدراسة ليطلب العيش والرزق، قالت له أمه: أي بنيّ، اطلب العلم أكفك بمغزلي، فانطلقت الأم تخيط بمغزلها وتكافح، وانطلق سفيان يتعلم العلم حتى أصبح سفيان من أعلام المسلمين الكبار، فصار ذلك في ميزان تلك المرأة الصالحة. لا تتركوا الحبل على الغارب لأبنائكم؛ يمكثون في الشارع ما شاؤوا؛ ومع من شاؤوا؛ وفي أي وقت أو مكان شاؤوا، يتعلمون من الشارع ما يفسدهم عليكم وعلى المدرسة في التربية. فاحفظوا أوقات أبنائكم واضبطوها، وكونوا أعينًا تربيهم عن قرب وعن بعد. ولا ننسى أن شارع اليوم ليس كشارع الأمس. معاشر الأولياء أين زيارات أبنائكم في مدارسهم للسؤال عنهم وتشجيعهم، بل وشكر ورفع معنويات معلميهم، إن بعضًا من الأولياء كان آخرَ عهده بالمدرسة يوم أن سجّل ابنه فيها، وبعضهم لا يأتي إلاّ حين الاستدعاء. فيا ولي أمر الطالب ليكن لك زياراتٌ تتضمن شكر المعلمين وشحذ هممهم، وتتضمن تشجيعًا للأبناء ومتابعتَهم والسؤالَ عنهم؛ في الجانبين الأخلاقي والعلمي.
الوقفة الثانية مع المعلمين: إلى من حملوا وظيفة الأنبياء في تعليم الناس، قال صلى الله عليه وسلم ” إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير”. إن المعلم والمعلمة إذا أخلصوا لله ثم لمجتمعاتهم وأمتهم فهم يمشون في رحمة الله ورضاه. أيها المعلمون، أبناؤنا يأتون بين أيديكم؛ فالله الله في أبناء المسلمين، إنهم أمانة كبيرة وحِمْل عظيم. ألا وإن أحسن ما يعينكم الإخلاصَ لله في أعمالكم، فعمل بلا إخلاص لا بركة فيه. أيها المعلم، إذا دخلت فصلك وأغلقت بابك وغابت عنك عينُ المدير والموجِّه والمسؤولِ وأولياءُ الأمور؛ ولم يعد إلا أنت والطلابَ بين يديك؛ فتذكر أن الله في عليائه مطلع عليك. فاهتم ببذل الجهد في تعليمهم وتأديبهم، ولا تستخفن بنفسك، فكلمةٌ تقولها بإخلاص يبارك الله فيها وينفع بها عشرات السنين. واحرص على تعليم أبنائنا كل خيرٍ وهدىً وفضيلةٍ وأخلاقٍ كريمة؛ فهي أبواب عظيمة من الأجور مفتوحة لكم، ربما لم تفتح لغيركم فاغتنموها. فالدال على الخير له مثل أجر فاعله.
من موقع الالوكة الإسلامي