مُنجبة الثوار والأيقونات الوطنية

مليانة.. مدينة جمعت بين الجمال الطبيعي والمعالم التاريخية

مليانة.. مدينة جمعت بين الجمال الطبيعي والمعالم التاريخية

مليانة.. مدينة ضاربة في عمق التاريخ جمعت بين الجمال الطبيعي والمعالم التاريخية، كما يرتبط اسمها بوجوه ثورية واجهت الاستعمار الفرنسي، أمثال الشهيد علي لابوانت والشهيد أحمد بوقرة ومؤسس الكشافة الجزائرية محمد بوراس.

معالم المدينة التاريخية لن تجدها في غيرها

متحف الأمير عبد القادر

يعتبر الأمير عبد القادر بن محيي الدين من أشهر الأمراء العرب في التاريخ، فهو سياسي ومحارب ورجل فكر معروف بتأسيسه للدولة الجزائرية الحديثة.

ويذكر المؤرخون أن الأمير عبد القادر مرّ بمدينة مليانة وإدراكاً منه لأهميتها، حوّل مقر إقامة القائد التركي المعروف باسم “دار الباي” إلى مقر لخلافته بين العامين 1835 و1840.

ونال هذا المبنى المؤسس على الطريقة العثمانية شهرة واسعة، ما جعل الإمبراطور الفرنسي لويس نابليون الثالث يزوره عام 1865، بعد تغيير اسمه إلى “دار الأمير” بعد الاحتلال الفرنسي للمدينة.

وأعيد افتتاح المبنى كمتحف بعد إعادة تأهيله سنة 2000 من قبل رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة.

 

 

منارة جامع البطحاء أو ساعة المدينة

معروف أن الأمير عبد القادر رجل دين أيضاً، وليس غريباً أن يتخذ من المبنى المقابل لمسجد البطحاء، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة العثمانية، مقراً لإقامة الخليفة، ومسجد البطحاء واحد من 25 مسجداً كان موجوداً آنذاك في المدينة، خرّبه المستعمر الفرنسي عام 1844 وجعل من أرضيته ساحة فسيحة أطلق عليها اسم “ساحة كارنو”، ولم يُبقِ سوى على منارته التي حولها إلى ساعة. أطلق اسم القديس “سانت بول” على الشارع الذي يضمها، والآن تنسب الساحة إلى الأمير عبد القادر.

والجميع في مدينة مليانة يقدّر قيمة الساعة الكبيرة التي لا تأخذها فقط من وزنها التاريخي والأثري، بل من مكانها القريب من المتحف، الذي يعد قلب المدينة، إذ تقام حوله الاحتفالات ذات الطابع الديني.

 

مسجد ومزار الولي سيدي أحمد بن يوسف

تفيد الوثائق الرسمية بنسب الوليّ الشهير أحمد بن يوسف (1436-1524) إلى الإمام علي بن أبي طالب، ويؤدي المسجد الآن وظيفته كمكان لأداء الصلاة، بينما أقفل المزار منذ سنوات في وجه الزائرين الذين يعتقدون ويطمعون في “شفاعة” الوليّ، بحجة الترميمات التي يعود تاريخ بدايتها إلى عشر سنوات. ولم يمنع الإغلاق الزائرين من التمسح على أعتاب باب المزار، وقضاء وقت في فنائه الرحب والمجهز بكراس حجرية تستخدم للجلوس حيناً، وأحياناً لكسر حبات البيض لأغراض تبقى حبيسة في نفوس من يقدم على هذا الأمر!

 

السور الروماني.. ملتقى الأصدقاء ولمّة العائلات

يعتبر السور الروماني أحد أشهر معالم المدينة، ملتقى للأصدقاء والعائلات، التي تتخذ من المقاهي البسيطة المنتشرة على طوله مكاناً للراحة والاستمتاع بالجو خصوصاً في مساءات الصيف. يطوق السور الجهة الجنوبية لمليانة ويعطي رؤية بانورامية لمدينة “الخميس” الواقعة على بعد 7 كيلومترات أسفلها.

ويعطي حال السور انطباعاً صريحاً ومباشراً بإهمال رسمي فظيع وغير مبرر، فقد تداعى جزء منه وسقط عام 2012 بسبب الرياح والأمطار، وتعرض جزء آخر للتلويث المتعمد منعاً لتجمع العشاق. إذ يعتبر جلوس ثنائي في مكان عام في الجزائر عيباً يجب محاربته. أنشئ السور في الفترة الرومانية كحماية للمدينة، وهو الآن بحاجة إلى من يحميه من الأيادي المخربة.

 

وجوه ثورية وأيقونات وطنية

قدّمت مليانة عدداً من الوجوه الثورية التي تحولت إلى أيقونات، وهم حاربوا المستعمر الفرنسي. أكثرهم شهرة الشهيد علي لابوانت المولود في المدينة عام 1930. والشهيد محمد بوراس مؤسس الكشافة الإسلامية الجزائرية، واحدة من الوجوه السلمية التي أثارت ذعر الاستعمار الفرنسي بسرعة توسعها ودقة تنظيمها واتصالاتها داخل البلد وخارجها، وتم تزيين ساحة المدينة بعدة لوحات شرف خصصت للشهداء، أهمها لوحتان مقابلتان للحديقة العمومية الكبرى للمدينة، دونت عليهما أسماؤهم لتبقيا فخراً لعائلاتهم التي لا يزال عدد كبير منها يسكن المدينة.

 

مصنع الأسلحة

خضع المبنى لإعادة تأهيل أواخر 2015، تحضيراً لاستقبال الوزير الأول الجزائري، وهي عادة إدارية تجعل التكفل بالمرافق العمومية رهن زيارة المسؤولين الكبار في الدولة.

المبنى لم يعد مصنعاً للأسلحة، بل متحفاً يضم قاعات عرض في الطابقين الأول والثاني، وقاعة للاستقبال، وقاعة للنشاطات، وبيتاً للضيوف، وقاعة للمطالعة في طابقه الثالث.

 

رحالة تردّدوا عليها عبر الأزمنة

 

تقع مدينة مليانة على سفوح جبال زكار، فهي مدينة حصينة، وبناءات متصلة يتردّد عليها الرحالون، فأجمعوا على محاسن الموقع وكثرة المياه التي تتدفّق من سفحه.

وهذه المدينة ذات أسوار سميكة متينة في وسط القصبة وحمامات تجمع إليها أهل الناحية، والجداول ترقرق معزوفة، الطريق إليها صعبة وملتوية نحو الأعلى ونافورة الماء تلطف جو الدار كلّما وقع النظر، حيث تطالعك الجبال الخضراء والغابات كبحر أخضر، والبساتين والسواقي والأشجار المثمرة على أفنانها الثمار اليانعة والورود وأنواعها تضفي الأرض بهجة.

هي مدينة ذات أشجار وأنهار جدّدها زيري بن مناد وأسكنها ابنه بلكين، بقعتها كريمة ومزارعها خصبة ونهرها يسقي أكثر مزارعها وجنانها.

لقد برزت الأهمية الحقيقية للمنطقة في العصر الإسلامي عندما أعاد بولوغين بن زيري وهو من أشهر أمراء صنهاجة، أين ساهم في بناء مدينة مليانة وجعلها عاصمة سياسية على جزء كبير من بلاد المغرب الكبير، حيث شهدت ازدهارا مرموقا في الزراعة والتجارة.

بدأت تتطور وتتّسع وتزدهر وتنتعش بها الحياة حتى صارت عاصمة، ومن خلال الملامح العامة تبدو أنها كانت حصنا منيعا في تحصّنها بجبل زكار.

وفي العهد التركي كانت مليانة تابعة لبايلك الغرب وعاصمتها مازونة، وقد أدرك الأتراك أهمية مليانة الإستراتيجية وذلك لكونها تشرف على الطريق الواصل بين الجزائر والغرب، وكان المسافرون ينزلون إليها طلبا للراحة والاستجمام.

من أشهر علمائها الولي الصالح سيدي احمد بن يوسف (931 هـ – 1526 م)، الذي صال وجال المدن الجزائرية الساحلية والهضاب العليا كالمدية وتنس والبليدة.

فسكان المنطقة كان أغلبهم من الأمازيغ، وقد امتزج السكان بالأندلسيين القادمين من غرناطة بعد سقوطها في 1492، وأدى إلى إدخال تغيير كبير على الوضع الاجتماعي والثقافي لسكان المنطقة. والجدير بالذكر أن بني مناصر كان لهم زاوية البركاني شمال مليانة، كانت مركزا دينيا وإداريا وثقافيا.

 

معارك جيش التّحرير في الواجهة

كم كان ماضي الاستعمار الفرنسي مؤلما ومظلما، كان النضال يحرك صفوف جيش التحرير الوطني بإيمان قوي.

كان التحضير للثورة قد انطلق منذ أمد بعيد بالوحدة الوطنية والتماسك التام بين الشعب الجزائري والثورة قائمة في الجزائر يتوقّف نجاحها على استقلال الجزائر.

بدأ شباب المنطقة يستعد لخوض غمار الثورة، منهم سي أمحمد بوقرة، سي بلكبير عبد القادر، الشيخ العربي، امحمد رايس، بوركايب نور الدين، الزنداري، محمد بوراس، علي لابوانت، سي موسى بوراشد، سي حمدان، عمر بلمحجوب، عبد القادر بسكري والبغدادي وأمثال أحمد بن بلة، رابح بيطاط، بن يوسف بن خدة، محمد بلوزداد، أحمد محساس ومحمد خيثر وغيرهم.

لم يكن هذا التحريك إلا دليلا على أهميتها، حيث كان مناضلوها يتمتعون بالوعي السياسي، وبروح وطنية استعداد للثورة ضد العدو المحتل وأعوانه.

لمياء. ب