حظي الشهيد بالتكريم والتبجيل لما خصه به الله من مكانة حميدة، وعرفان له لما قدمت يداه من تضحيات جسام، فهو الذي لبىوضحى بالروح والجسد دفاعا عن الوطن والحرية والشرف صادقا عهده ولم يبدله تبديلا، وقد خصص تاريخ 18 فيفري كيوم وطني للشهيد وتم الإحتفال به لأول مرة سنة 1990. وتهدف هذه المناسبة إلى إرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف من أجل استخلاص العبر والإقتداء بخطهم الشريف.
اتخذ يوم 18 فيفري من كل سنة يوما للإحتفال بذكرى الشهيد عرفانا بما قدمه الشهداء من تضحيات جسيمة، ويمثل هذا اليوم وقفة لمعرفة مرحلة الاستعمار التي عاشها الشعب الجزائري في بؤس ومعاناة، وهذا لأن التاريخ يمثل سجل الأمم وتحتفل الجزائر بهذا اليوم منذ 18 فيفري 1991 بمبادرة من تنسيقية أبناء الشهداء تكريما لما قدمه الشهداء حتى لا ننسى مغزى الذكرى واستشهاد مليون ونصف المليون من الشهداء لتحرير الجزائر.
قوافل من الشهداء عبر مسيرة التحرر
معروف عن الجزائر أنها أمة مقاومة للإحتلال منذ فجر التاريخ، خاصة الإستعمار الفرنسي الإستيطاني الشرس، حيث قدمت الجزائر قوافل من الشهداء عبر مسيرة التحرر التي قادها رجال المقاومات الشعبية منذ الاحتلال في 1830 مرورا بكل الإنتفاضات والثورات الملحمية التي قادها الأمير عبد القادر والمقراني والشيخ بوعمامة وغيره من أبناء الجزائر البررة، وكانت التضحيات جسيمة مع تفجير الثورة المباركة في أول نوفمبر 1954، حيث التف الشعب حول جيش التحرير وجبهة التحرير الوطني، فكانت تلك المقاومة والثورة محطات للتضحية بالنفس من أجل أن تعيش الجزائر حرة، فبفضل تلك التضحيات سجلت الجزائر استقلالها في 5 جويلية 1962.
رموز الشرف والقيم العالية
يوم الشهيد.. يوم التضحية.. يوم العطاء والفداء المرتبط بيوم 18 فيفري من كل سنة يعد يوما للتذكار والاعتبار والوقوف وقفة عرفان وتقدير لما قدمه الشهداء من تضحيات جسيمة في سبيل تحرير البلد والعباد من ربقة الاستعمار والعبودية والقهر، وحتى نعطي صورة واضحة لهؤلاء الشهداء الذين كانت تفوح منهم رائحة الشرف، الكرامة، الشجاعة والقيم العالية، حتى في أصعب الوضعيات وأحلك الأزمات وحتى وهم تحت التعذيب والاستنطاق، نستحضر شهادة حية تناقلتها وسائل الإعلام أيام الثورة التحريرية الجزائرية، حيث يسرد لنا صاحب المقال الطريقة التي عذب بها جزائريان وكانا عاريين، وقد استدعيت لمشاهدة تعذيبهما مجموعة من الجنود الفرنسيين، وفي كل ذلك لفت انتباه صاحب المقال ما رد به أحد الجزائريين، وكانت العبارة الوحيدة التي قالها أحدهما وهو يلتفت إلى العسكريين الحاضرين: “إنني أشعر بالخجل من أن أظهر عاريا أمامكم”.
ثم يعلق على ذلك فيقول: “أجل إن هؤلاء المكافحين الأبطال ما يزالون يحتفظون بحس الطهارة الصافي الذي يحسبون أنه يُخدش إذا ظهرت عوراتهم أمام الأعين.. إنهم يتحملون أشد ألوان العذاب، ويكبحون لسانهم من أن ينطلق بصرخة الألم حتى تدمى أطرافهم وأعضاؤهم الحساسة، ولكنهم لا يحتملون أن يظهروا عراة أمام معذبيهم!”.
وينهي بقوله الموجه في شكل نداء لهؤلاء الجزائريين: “أيها المكافحون في الجزائر…لن تكونوا أبدا عراة ما دمتم ترتدون ثوب الشرف!”
إعادة دفن الرفات.. السنة الحميدة التي لابد منها
تصدى الشهداء والمجاهدون للمارد الفرنسي والكثير من شهداء ثورة التحرير، هم اليوم بلا قبور ولا شواهد تدل عليهم، ذلك أن الجيش الاستعماري الفرنسي كان يفتك ويبطش كفرعون عصره، لا حسيب ولا رقيب، فكل شيء مباح ومستباح لدى جنرالات وعساكر فرنسا، ففي كل شبر من الجزائر، قطرة دم شهيد وشهيدة، لكن القبور مجهولة، لذا فعمليات إعادة دفن الرفات التي تجرى في كل مرة تعد من السنن الطيبة للحفاظ على الذاكرة الجماعية للأمة الجزائرية (…) حمو بوتليليس، زدور إبراهيم بلقاسم، إبن العالم الجليل الشيخ الطيب المهاجي، أحد علماء وهران والجزائر، وأسماء أخرى، رمت بهم فرنسا في متاهات وأماكن غير معروفة، حتى لا يكونوا قبلة وحافزا للمجاهدين ليذودوا عن حياض الوطن، لكن الفكر الاستعماري الهدام، لم يصمد أمام عزيمة رفقاء الشهيدين، وكبرت قافلة الشهداء لتشمل آخرين ما زالوا مجهولين لحد الآن (…) وإذا ركزنا مثلا على الشهيد زدور إبراهيم بلقاسم، فكان كغيره من الشهداء الشباب المثقفين، فهو من مواليد وهران العام 1923، تلقى مبادىء العربية وحفظ القرآن على يدي والده الشيخ الطيب المهاجي.
للعلم الشيخ بنى مسجدا في ساحة الطحطاحة، وكان قلعة للتعليم والوطنية إبان فترة الإستعمار وتولدت عند الشهيد، منذ صغره أفكار التحرر من ربق الاحتلال، لينتقل إلى القاهرة وبالضبط جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) ودرس في كلية الآداب وأتقن اللغات الفرنسية والإنجليزية والفارسية، وتشبع بمضامين المؤلفات التحريرية، لأن القاهرة وقتها كانت مركز إشعاع فكري وقومي لكل حركات التحرر في العالم العربي، الشهيد رحمه الله، كان عضوا نشيطا في مكتب جبهة التحرير بمصر، وكان همزة وصل بين مصر والمسؤولين في جبهة التحرير وجيش التحرير بالجزائر، واقترحت عليه الجامعة العربية في بداية الخمسينيات، أن يعمل إطارا بها، إلا أنه رفض وآثر النضال والجهاد من أجل إستقلال بلده، إلى أن ألقت عليه القبض السلطات الفرنسية وهو عائد للجزائر، ومنذ تلك الفترة لم يظهر عنه أي خبر، لحين أن فجرت صحيفة فرنسية معروفة وقتها قضية اغتياله ورميه في عرض البحر (نواحي ساحل العاصمة)، فكانت فضيحة كبرى بالنسبة لديوان وزير العدل وقتها السفاح متيران وزبانية فرنسا، لأن تلك الفترة من بداية 1956، كانت مضرجة بدماء الشهداء الذين أعدمتهم فرنسا، ومنهم أحمد زبانة، وشريط علي الشريف، وڤراب الهواري وخديم مصطفى (اللذين يحملان إسمي شارعين بحي سيدي الهواري العتيق) .
فهكذا إذن، ونحن نحيي اليوم الوطني للشهيد، تستوقفنا هذه المحطة لاستلهام جسامة التضحيات، التي قدمها الشعب الجزائري برمته سواء داخل الوطن أو في ديار المهجر، وهنا لا بد أن نشيد ونتذكر مناضلي ومجاهدي فيدرالية “الأفلان” بفرنسا والتي كتبت صفحات مشرفة ومجيدة في سجل الحركة الوطنية والكفاح المسلح حتى لا نذكر سوى 17 أكتوبر 1961 المشهود.
فالشهداء أثنى عليهم الخالق بما سيوّفيهم من خير الجزاء، وعلى البلد والعباد أن يكنان لهم الاحترام طول الدوام، فأكبر فداء هو أن يقدم الإنسان مهجته ليحيا الآخرين.
نشاطات مكثفة لإحياء المناسبة
تتميز التظاهرات الإحتفائية بيوم الشهيد إضافة إلى مراسيم الترحم على أرواح شهداء ثورة التحرير بتنظيم معارض للصور الخاصة بالشهداء والثورة التحريرية المباركة، وكذا توزيع هدايا تشجيعية على المتفوقين في مختلف المسابقات التي نظمت بالمناسبة و إطلاق أسماء بعض الشهداء على مؤسسات تربوية وعرض أفلام حول الثورة المسلحة وتكريم عائلات بعض الشهداء.
لمياء. ب